الحلق والتقصير في الحج والعمرة

اقرأ في هذا المقال


الحلق والتقصير

الحلق والتقصير: وهي شعيرةٌ دينيةٌ يؤدّيها الحاجُّ في الدّيار المُقدَّسة بمكة المكرمة تعبُّداً لله سبحانهُ وتعالى تعظيماً لشعائرهِ وامتثالاً لأوامره وتعليماته. والحلق: هو إزالة شعر الرأس كاملاً وهذا خاص بالرجال فقط، أمَّا التقصير: فهو قصُّ جزءٍ بسيطٍ من شعر الرأس، وهذا مُتعلِّق بالنساء أكثر من الرِّجال.

حكم الحلق والتقصير

اتَّفق جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية، المالكية، والحنابلة على أنّ حلق شعر الرأس أو تقصيره يُعتبر واجباً من واجبات العمرة، واستدلُّوا على ذلك بقولهِ تعالى:“وأتموا الحج والعمرة لله فإن أُحصِرتُم فما استيسر من الهدي ولا تَحْلِقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي مَحِله”.البقرة:196. كما اتَّفق الفقهاء على استحباب الحلق للمُعتمرين الرّجال ولا بأس بالتَّقصير، أمَّا المعتمراتُ من النّساء فيجب عليهنّ التَّقصير فقط، ومن كان أصلعاً سقط عنه الحلق والتَّقصيرمعاً.
ويكون الحلق والتَّقصير شاملاً لجميع الرأس، أمَّا المرأة فلا تحلق وإنما تُقَصِّر شعرها من كلِّ قرنٍ أَنْمَلَة.
وبذلك يُنهي أعمال عمرتهِ، وحلَّ منها حِلاًّ كاملاً، ويُباح لهُ جميع محظورات الإحرام.

صفة الحلق والتقصير

عند انتهاء المُعتمر من السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ، وبعد الشرب من ماء زمزم، فلهُ الاختيار في الحلق أو التقصير، والحلقُ أفضل إلَّا إذا كان متمتِّعًا قاصدَ الحجِّ وقرُبَ حَجه، ليبقى لهُ شَعْرٌ يحلقه في مناسك الحجِّ، ويُسَنّ للحالق أو المقصّر أن يبدأ من الجهة اليمنى للرأس وينتهي بالجهة اليسرى، فالتَّقصيرُ أفضل من هذه الجهة، ويدلُّ عليه حديثُ جابرِ بن عبد الله رضي الله عنهما: “فَأَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا“.


قال ابن قدامة:”المستحَبُّ في حقِّ المُتمتِّع عند حِلِّهِ من عمرتهِ التَّقصير ليكون الحلق للحج”. أمَّا إذا كان بين عمرته وحجه فترة كافية يطول الشعر خلالها فإنَّ الأفضلية تبقى للحلق.

ويدلُّ على ما تقدَّم قوله تعالى:”لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ” .الفتح: 27، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ترحَّم على المحلِّقين ثلاثًا وعلى المقصِّرين مرةً“، والنبي ــ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسَلَّم ــ حلَّق جميع رأسه، وقال:”خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ“، وأمر أصحابه بذلك كما في حديث ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ قال: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا“.

قال ابن عبد البر رحمه الله:”وقد أجمع العلماءُ على أنَّ النساءَ لا يَحْلِقْنَ وأنَّ سُنَّتَهُنَّ التقصير”، لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم:”لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ“.

فضل الحلق والتقصير

في الحلق والتقصير إشارة إلى استسلام المعتمر لله، وتسليمٌ للرّقاب لهُ سبحانه وتعالى بعد حلاوة الطاعة ولذةُ العبادة، وفيه أيضا تثبيت للأجر ومغفرة للذّنوب والخطايا مصداقاً لقوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في الحديث المتفق عليه:” اللهم اغفر للمحلقين”. قالوا: يا رسول الله، وللمقصرين؟ قال: “اللهمَّ اغفر للمحلقين”. قالوا: يا رسول الله، وللمقصرين؟ قال:” وللمقصرين”. فمغفرة الذنوب إذن هي أجرُ هذه الشعيرة وجزاؤها، فطوبى لمن حجَّ أو اعتمر، والعقبى لمن لم يَأذنِ الله له بعد.

قال ابن قدامة ــ رحمه الله ــ: “يُستحبُّ لمن حلَّق أو قصَّر تقليمُ أظافره، والأخذ من شاربه؛ لأنَّ النبي ــ صلى الله عليه وآله سلم ــ فعلهُ. قال ابن المنذر: ثبت أنَّ رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ لما حلًّق رأسه، قلَّم أظفاره، وكان ابن عمر يأخذ من شاربه وأظفاره، وكان عطاءٌ، وطاوسٌ، والشافعي، يحبون لو أخذ من لحيته شيئًا، ويستحب إذا حلَّق أن يبلغ العظم الذي عند منقطَع الصُّدغ من الوجه، كان ابن عمر يقول للحالق: ابلُغِ العظمين، افْصِلِ الرأس من اللحية”.

ويستحبُّ له أن يطوف بالبيت تطوُّعًا طيلةَ مدَّة إقامتهِ بسبعة أشواط وصلاةُ ركعتين خلف المقام إن تيسَّر، زيادة أجر وثواب، لقوله ــ صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ــ: “مَنْ طَافَ بالبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ“. فإن كان أهلَّ بالعمرة في غير أشهر الحجّ وأراد مغادرةَ مكة فلهُ أن يُودِّعَ البيت بالطواف ليكون آخر عهده بالبيت، وإذا خرج من المسجد الحرام يخرج عاديًّا كما يخرج النَّاس من المساجد فلا يلتفت إذا ولَّى ولا يمشي القهقرى. ويقدّم رجله اليسرى عند الخروج ويقول: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ“.

أمَّا من تمَّت عمرته في أشهر الحجّ، فيباح له كلُّ محظورات الإحرام، ويبقى إلى يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة فيهِلّ بالحجّ، ومَن أهلَّ بحجٍّ مفرَدٍ أو بحجّ وعمرة قارنًا ولم يَسق الهديَ يجب عليهِ أن يتحلَّل بعمرة. وأمَّا من ساق الهديَ فلا يَحِلُّ لهُ الحلق أو التقصير حتى ينحر هديَه يومَ النحر.

أيهما أفضل الحلق أو التقصير؟

 الأفضل الحلق في العمرة والحج جميعًا؛ لأنَّ الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ دعا للمحلقين ثلاثًا بالمغفرة والرحمة، وللمقصرين واحدة، فالأفضل الحلق، ولكن إذا كانت العمرة قرب الحج فالأفضل فيها التقصير حتى يتوفّر الحلق في الحج؛ لأنَّ الحجّ أكمل من العمرة فيكون الأكمل فالأكمل، أما إن كانت العمرة بعيدة عن الحج مثلًا في شوال يمكن لشعر الرأس أن يطول فإنه يحلق حتى يحوز فضل الحلق.

وقت الحلق والتقصير في الحج

لا يكون الحلق أو التقصير إلا بعد اكتمال أغلب أعمال الحج، والتحلل من الإحرام للحاج نوعين (التحلل الأصغر) و(التحلل الأكبر).


شارك المقالة: