يقوم بعض الناس بتقدير قيمة ثمار المزروعات التي سيجنونها من أرضهم، وذلك عن طريق ما يُسمّى بالخرص، ويقومون بذلك لغايات تقدير تحديد نسب الزكاة المفروضة في الثمار الناتجة، فما معنى الخرص؟ وما مشروعيته؟ وفيما يكون الخرص من الثمار؟
معنى الخرص:
الخرص هو تقدير وتخمين قيمة الثمر الذي سينتج على الشجر، بعد بدو صلاح الثمر، واقتراب نضوجه، ثم يتم أخذ الزكاة على أساس القيمة التي تمّ تقديرها، ويقوم بعملية الخرص، مخمنين مختصّين بذلك، ويُمكن أن يقوم صاحب الأرض بخرص ثماره إن كان على خبرة بذلك.
ومن الفوائد التي تُفيد أصحاب الثمار من عملية الخرص، هي قدرتهم على الأخذ من الثمار، واستعمال أزهارها سواء في البيع أو الأغراض الخاصة بصاحب الأرض، وبعملية الخرص يسمح صاحب الثمار لأهله وجيرانه بأخذ ما يُريدون من الثمار.
كما أنّ في الخرص معرفة قيمة الثمار الحقيقية، ولا مشكلة بالتناول منها بعد ذلك، وتكمن فائدة الخرص هنا بحفظ حقوق الفقراء والمساكين، وفتح المجال لأصحاب الثمار في استهلاك الثمار والتصرّف بها، فصاحب الثمار يكون قد حدد قيمة الزكاة حسب القيمة التي تمّ تعيينها خلال عملية الخرص.
مشروعية الخرص:
استدلّ الفقهاء على مشروعية الخرص، من خلال ما ورد في نصوص شرعية من السنّة النبوية، منها:
- ﻋن ﻋﺎئشة _رﻀﻲ ﷲ ﻋﻨﻬﺎ_ ﻛﺎن رسول ﷲ _صلى ﷲ ﻋﻠﯿﻪ وسلّم_ يبعث ﻋﺒدﷲ بن رواحة، ﻓﯿﺨرص اﻟﻨﺨل حين يطيب قبل أن يُؤكل منه، ثم يخير اليهود يأخذون منه اﻟﺨرص أو يدفعونه إليهم بذلك اﻟﺨرص لكي يحصي اﻟزﻛﺎة قبل أن تُؤكل اﻟﺜﻤﺎر وتُفرّق. الدارقطني.
- ما رواﻩ سعيد بن اﻟﻤﺴيّب عن ﻋﺘﺎب بن أسيد ﻗﺎل: “أمر اﻟﻨﺒﻲ _صلى الله عليه وسلّم_ أن يخرص العنب ﻛﻤﺎ يخرص النخل وتُؤخذ زكاته زبيباً ﻛﻤﺎ تُؤخذ صدقة النخل تمراً” سنن أبي داود.
وأخذ الفقهاء بهذه الأدلّة، واعتبروها أدلّة ثابتة على مشروعية الخرص، لكن الحنفية قالوا بعدم مشروعية الخرص، باعتباره من التخمين والظن، كما أنه من الممكن هلاك الثمار بعد عملية الخرص، فيكون تقدير النسبة المفروضة للزكاة ليس صحيحاً.
حصر الخرص في النخيل والعنب:
حسب ما ظهر في الأحاديث النبوية التي تحدّثت في الخرص، فقد أجمع جمهور العلماء على اقتصار الخرص في العنب والنخيل، ولأنّ ثمار العنب والنخيل من الثمار التي تُؤكل على مراحل، فيُؤكل النخيل رطباً، وزبيباً، وكذلك العنب، وبالخرص يُتاح لصاحب الثمر أن يأكل من ثماره، ويُطعم غيره. وفي قول لابن شهاب: “لا يخرص الثمر إلّا التمر والزبيب”.
ماذا يُترك لأهل الثمار عند الخرص:
جاء في الحديث الشريف، عن سهل بن أبي حتمة ﻗﺎل: ﻗﺎل رسول ﷲ _ صلى ﷲ ﻋﻠﯿﻪ وسلم-: “إذا خرصتم ﻓﺨذوا ودﻋوا اﻟﺜﻠث ﻓﺈن ﻟم تدعوا اﻟﺜﻠث ﻓدﻋوا الربع” سنن الترمذي.
ويدل الحديث على أنه يجب التخفيف عن أصحاب الثمار في الخرص، حيث تترك لهم حصة من الثمار لا تُحسب مع القيمة المقدّرة للثمار، فالثمار معرّضة للتلف، ويحتاج صاحبها للأكل منها، وإطعام أقربائه وجيرانه، كما هناك حصة من الثمر يأكلها الطير والحشرات، ومنها ما يسقط على الأرض، وبترك حصة من الثمار خارج الخرص، يُخفف على صاحبها.
ومع قلة سيادة الأحكام الإسلامية، في أيّامنا هذه فإنّ الخرص أصبح مسألة غير معتبرة، ولا يعمل بها أحد، ولكن كلّ مسلم يقوم بدفع ما يترتب عليه من زكاة في ثماره وأمواله، على أمانته، ومع مراعاة حق الله تعالى في ذمته.