إنّ من أصحاب رسول الله صلى الله صلّى الله عليه وسلّم، من تزوّدوا بالحديث وأكثروا منه، وكانوا كالنُّجوم المُضيئة التي تُنير علماء الحديث وطالبوه، صاحبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يدعونه بأيِّ مكان إلَّا ويلتفّون حوله، فكانوا كظلّ للصّاحب، غير أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلا ضلّ، ومن هؤلاء العمالقة عبدالله بن عمر بن الخطاب، ابن صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفاروق عُمر، وشقيق لأم المؤمنين حفصة بنت عُمر، من كان رضي الله عنه مجتهداً في طلب الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
اسمه ونسبه ونشأته وجهاده
هو الرَّاوي المحدِّث أبو عبد الرحمن، عبدالله بن عمر بن الخطاب، بن أبا حفص الخليفة الرّاشدي الثّاني ، ثاني أكثر الرّواة رواية للحديث الشّريف بعد أبي هريرة رضي الله عنه، قرشي عدوي، من أكثر الصَّحابة فقهاً.
ولد رضي الله عنه قبل هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم ب11 سنة في مكّة المكرّمة، وقيل قبل بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأمّه زينب بنت مضعون.
كان رضي الله عنه من الّذين عُرض عليهم القضاء في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبعهد علي رضي الله عنه فأبى، خوفاً وتورُّعاً وزُهداً في مقامات الدّنيا ومناصبها، ولمّا ظهرت الفتن بعد وفاة أبيه في عهد عثمان، اعتزل الفتنة ولم يتكلّم بها، لئلّا يقع في دماء المسلمين، وكان مُحدّث زمانه ومرجعاً في الحديث النّبويّ الشّريف، يرجع إليه الصّحابة والتّابعين في مسائل فقهيّة ورد به حكم في القرآن أوالسُنّة فيتعلّمون، وينقلون علمه، كما وأنّ الصّحابي عبدالله بن عمر كان من الّذين شاركوا في الغزوات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي فُتوحات الإسلام في مابعد وفاة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلّم، كغزوة الخندق ومؤتة، وفُتوح الشّام والعراق، وغيرها من فتوحات الإسلام العظيمة.
عبدالله بن عمر والحديث
كان عبد الله بن عمر من المكثرين لرواية الحديث النّبويّ الشريف، وكان يطلب الحديث من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وبن مسعود وغيرهم من الصّحابة رضوان الله عليهم، وكان يعرف بشدّة حرصه بالتثبُّت في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان شديد الحرص على عدم الزّيادة في الحديث، وعدم الإكثار من الفتوى، واشتهر رضي الله عنه بقوله لا أعلم في كثيرٍ ممّا سُئِل عنه.
يبلغ عدد الأحاديث الذي رواها الصّحابي الجليل أبوعبدالرّحمن، عبدالله بن عمر، 2630 حديث ولم يروى عن أحد من الرّواة أكثر منه إلا ما كان من أبي هريرة رضي الله عنه.
وفاته رضي الله عنه
توفّي عبدالله بن عمر رضي الله عنه، بعد سنين البحث ونقل الحديث والاجتهاد، والابتعاد عن فتن المسلمين وعُزلتها، وكانت وفاته رضي الله عنه في مكّة المكرّمة سنة 73 للهجرة وقيل أنّه آخر من توفي من الصّحابة في مكّة المُكرّمة.
رحم الله بن عمر، ورضي عنه، وجزاه عن الأمّة الإسلامية خير الجزاء في نقل علوم حديثها وفقهها.