إنّ صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كالنجوم المضيئة في تاريخ هذه الأمّة، كيف لا ! وهم من حملوا على عاتقهم نقل القرآن كما أنزل ونقل حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، بطرق صحيحة موثَّقة لا تشوبها شائبة ، ومن هؤلاء الصّحابة من كانوا قريبين كل القرب من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لصحبة، أو لنسب، أو لمحبَّة تعلوا محبَّة النفس للنفس، فهو قال للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: والله يارسول الله إنّي أحبك أكثر من نفسي ، فقال له الآن أمنت ياعمر ،وقال عنه نبيّ الرَّحمة المهداة سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، لو كان هناك نبيٌّ بعدي لكان عمر، إنّه عمر بن الخطّاب، اسم يقترن بصحبة النّبيّ عليه السّلام ، وبالغلظة على من يتجاوز حدود الله، وبالجانب الآخر اسم يقترن به العدل.
اسمه وكنيته وحياته
هو أبو حفص، ،عمر بن الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى العدويّ القرشيّ، وقيل أنّ أمّه حتمة بنت هاشم، من أقرباء خالد بن الوليد بن المغيرة، ولها اجتماع في نسبها مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم في كلاب بن مرّة. ولقّب سيدنا عمر بالفاروق، لعدله وتفريقه بين الحقّ والباطل في خلافته وفتواه .
ولد الفاروق عمر بن الخطّاب في مكّة المكرّمة بعد عام الفيل الّذّي ولد به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وذكر السيوطيّ رحمه الله، أنّ ولادته كانت بعد ثلاثة عشر عاماً من عام الفيل، ونشأ محبّاً للقتال والمصارعة ، وفنون تعلمها وهو يرعى الإبل لأبيه وأقاربه في شعاب مكّة المكرّمة، وكان سيدنا عمر قد أسلم بعد جهْر النّبي صلّى الله عليه وسلّم بالدعوة الإسلامية في مكّة المكرّمة، وبعدما كان قد عزم النّية على إيذاء سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم كي تتوقف دعوته، وكان إسلامه في السَّنة الخامسة أو السادسة بعد البعثة، وهاجر بعد ذلك إلى المدينة المنوّرة، وكان ممَّن هاجر علناً على مرأى من المشركين في مكّة المكرّمة .
لم يتخلّف عمر بن الخطّاب عن الجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فشهد الغزوات كلَّها وعاد إلى مكّة فاتحاً بفتح مكّة، وشارك في حنين، وبعد وفاة النّبيّ شهدت خلافته فتوحاً ونشراً للإسلام، ولازال اسم عمر مخلّد في بطون كتب العدل والمساواة والحريَّة والحقوق.
عمر بن الخطّاب وروايته للحديث
إنَّ عمر بن الخطّاب من كبار الصّحابة وأكثرهم قرباً لالرسول عليه الصّلاة والسّلام ، وهذا ما ساعد عمر على رواية الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بالإضافة إلى كونه أحد كتَّاب الوحي الّذي استأمنهم النّبي على كتابة القرآن والوحي، وكان ممّن يجالس النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ويأخذ النّبي صلّى الله عليه وسلّم برأيه ، فكان من الّذين أخذوا الحديث من النّبي صلى الله عليه وسلّم، وكان حريصاً على أن يتثبّت من قبول الحديث، ولو كان من كبار المحدِّثين ، فقد أتى عليه مرّة أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو من كبار المحدّثين عن النّبي عليه الصلاة والسّلام ، فرجع إلى بيته بعد الاستئذان ثلاثاً،فوصل ذلك الخبر عمر، فأرسل إليه فسأله عن سبب عدم انتظاره على الباب، فأخبره أنّ امتثالٌ لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم :(( الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل، وإلّا فارجع))، فقال له عمر : والله يا أبا موسى إن لم تأت بشاهد على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأفعلنّ بك كذا وكذا، فذهب إلى أبي سعيد الخدريّ فقام معه شاهداً، وشهد بصحّة حديث أبي موسى، وأخبر عمر أبا موسى أنّه لم يتهمه، ولكنّه خاف أن يَتقوّل النّاس على رسول الله عليه الصّلاة والسّلام مالم يقل.
قد بلغ عدد الأحاديث الّذي رواها عمر بن الخطّاب عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم مايزيد عن 537 حديثاً، وهو عدد من الأحديث في علم رواية الحديث كبير مقارنة بغيره.
وفاة عمر
كانت وفاة عمر بن الخطّاب بعد طعنه من أبي لؤلؤة المجوسيّ، وهو يصلِّي بالناس إماماً، وكان ذلك في العام الرابع والعشرين من الهجرة النّبويّة الشريفة.
رضي الله عن عمر والصّحابة أجمعين.