السحر ومملكة سليمان عليه السلام

اقرأ في هذا المقال


السحر ومملكة سليمان عليه السلام:

قال تعالى: “وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ“. البقرة:102.
علينا أن نلحظ أنّ هذه الآية أن هذه الآية قد نزلت بعد قوله سبحانه وتعالى: “وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” البقرة:101.
ويتضحُ لنا أن بعضاً من بني إسرائيل قد ترك كتاب الله المُصدق لما معهم من التوراة، ولم يقفوا عند التركِ لآيات الحقِ، بل اتبعوا ما جاءَ به الباطلُ. إذن، فالكتاب الذي كان يجب أن يتبعوهُ تركوه وخالفوهُ، والبُهتان الذي كان يجب أن يجتنبوه اتبعوه، وهذا سلوكٌ مُخالفٌ لقضية الحقِ بين الخير والشر.
وقلنا: إنّ الآية الكريمة تعرضت لأمرٍ قد انتشر عند بعضٍ من بني إسرائيل، فقد قالوا: إنّ سليمان عليه السلام صار ملكاً وثريّاً بفضل كلّ ما تعلمهُ من سحر. وهذا قولٌ باطلٌ، وقد أظهر الله براءة سليمان عليه السلام في قوله: “ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ” إنّ سليمان لم يكفر، إنّما تلقي نعمة الله بالعِرفان والشكر، وسخر الله له ما شاء من خلقهِ تكريماً له، وإرادة الحق في ذلك لها حكمةً بالغةً، ومن حِكمتهِ تعالى أن يعطيهِ ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من العالمين، لقد شاءت إرادة الحق ذلك؛ ليكون سليمان رسولاً له مكانةً في قومةِ، “أغنى” مكانةً تُليق بالزمن الذي جاء فيه سليمان.
إنّ الذي يتأملُ الموكب الرسالي يجدُ أن كلّ رسولٍ قد صادفَ في قومهِ المكابرين والمعاندين والكافرين والمتربصين به الدوائر لماذا؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجيء إلا وقد استشرى الشر، وما دام الشر قد استشرى، فلا بدّ أنّ للشرّ قوماً ينتفعون به، وحينَ يأتي رسول لينهي سيادة الشرّ في الأرض، فهو يُواجه أول ما يواجه المنتفعين بالشرّ، ولا يتبع النبي غالباً إلا الضعفاء؛ ليُخلصهم الرسول برسالته من شر الأقوياء، وقد أراد الله برسالة سليمان أن يُبين لنا طبيعة الإنسان حين يؤيد رسولاً بملك لا يمكن لأحدٍ أن يُخالفه، إنه رسولٌ ومَلِك من نوع خاص.
إنّب بعض المُلوك يملكونَ ما يدخلُ تحت قدرتهم من الأشياء المادية، لكنّ الله أعطى سُليمان مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من العالمين؛ لأنه تعالى سخر له القوى التي لا يمكنُ أن تُعطى لبشرٍ عادي، فكأن الله يُريد أن يُنبه الإنسان أنه لو جاء حَكماً من السماء مسنوداً بحكمٍ ملكي، فلن يستطيع أي إنسانٌ أن يرفع رأسهُ؛ لأنّ الله تعالى قادر على أن يُسخّر لمثل ذلك الحُكم ما يجعلهُ يقهر الجميع على أن يذعنوا له لكن الحق لا يريد ذلك، إنما يريد سبحانه طواعيةِ الإيمان واختيارية اليقين.
إنّ الرسلَ يُتركوا ضعفاءً؛ وذلك ليعلم من يُقبل عليهم بنداءِ الإيمانِ لا بمجرد القهرِ. ولذلك خُيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأنّ يكون نبيّاً ملكاً، فرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لماذا؟ لأنه إذا كان ملكاً نبيّاً فإنهُ ستكون له أسبابُ القوة ما لا يستطيع لأحدٍ أن يُخالف دعوته، قهراً وعّنوةً؛ ولذلك اختار رسول الله صلّى الله عليه وسلم الرسالة والنبوة دونَ الملك، واختار أن يدعو الناس إلى الله، فيأتونه رغبّاً في منهج الله لا رهبّاً من مُلكه هو.

بماذا اتهم بني إسرائيل سليمان عليه السلام؟

لقد اتهم بعض من بني إسرائيل سليمان بأنهُ كفر، ويقرر الحق عدم كُفرهِ في قولهِ تعالى: “وما كفرَ سُليمان” ويُدلنا الحق أنّ الكفر كان من الشيطان الذين يُعلّمون الناس السحر، ونكتشفُ من ذلك أنّ نبي الله سليمان عليه السلام لم يكن يعلم السحر، وأن مُلكه واستتاب الأمر له لم تكن قضيةً سحر، وإنما هي مشيئة الحق سبحانة وتعالى.

ما هي افتراءات اليهود على سليمان عليه السلام؟

لقد زعمت اليهود بأن نبي الله سُليمان عليه السلام قد تزوَّج من نساءٍ لا يعبدنّ الله تعالى، ومن ثم هو كان يعبد الأصنام معهن، وأنه بنى للأصنام أيضاً معابد لعبادتها. وكلُ ذلك كان مَحضُ افتراءٍ وكذب، وهو من افتراءات اليهودِ على أنبياء الله تعالى وكذبهم عليهم، وأن هذا من أظهر أدلة تحريف الكتب الإلهية، والعبثُ فيها وفقَ أهوائهم ورغباتهم. وهناك سائلٌ يسأل لماذا طعن اليهود في أنبيائهم، وقد كان لأنبيائِهم الدور الأكبر والفضل العظيم عليهم بعد فضل الله فيما نالوا من خير الدنيا وعزِّها في سابق حياتهم.
فكلُ ذلك يكفي للتعبير عن قول الله تعالى: “فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُون” البقرة: 79.


شارك المقالة: