العزيمة: ما طلبه الله أو أباحه بصفة عامة، والرخصة: ما أباحه الله عند الضرورة تسهيلاً على المسلم، ودفعاً للحرج عنه، وذهب البعض إلى أن العزيمة و الرخصة من أقسام الحكم الوضعي، باعتبار أنّ العزيمة ترجع إلى أنّ الله جعل الأحوال العادية للمكلفين سبباً لبقاء الأحكام الأصلية واستمرارها، وأن الرخصة ترجع إلى جعل الله الأحوال الطارئة غير الاعتيادية سبباً للتسهيل عن المكلف، والسبب من أقسام الحكم الوضعي.
والعزيمة في اللغة : القصد على وجه التأكيد، ومنه قوله تعالى:( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)، أي: لم يكن من آدم قصد حتمي على معصية أمر الله، وقد عرفها البعض: بأنّها اسم لما هو أصل من الأحكام غير متعلق بالعوارض، هذا أن العزيمة تطلق على الأحكام الشرعية التي شرعت لعموم المكلفين، دون نظر إلى ما قد يطرأ عليهم من أعذار، فهي أحكام أصلية، شرعت ابتداءً لتكون قانوناً عامة لجميع المكلفين في أحوالهم العادية، ولم ينظر في تشريعها إلى ضرورة أو عذر كالصلاة وسائر العبادات، وهي تتنوع إلى أنواع الحكم التكليفي: من وجوب وندب وكراهة وإباحة، ولا تطلق عند المحققين إلّا إذا قابلتها رخصة.
الرخصة:
في اللغة : السهولة، وعرفها البعض، بقوله: هي التسهيل للمسلم في فعله من اجل عذر، مع قيام المحرم، لولا العذر لثبتت الحرمة، فالرخصة: هي الأحكام التي شرعها الله، بناءً على أعذار المكلفين، ولولاها لبقي الحكم الأساسي، فهي حكم استثنائي من أصل كُلي، وسبب الاستثناء ملاحظة الضرورات والأعذار دفعاً للحرج عن المكلف، وهي في أكثر الأحوال تنقل الحكم الأصلي من مرتبة اللزوم إلى مرتبة الإباحة.
أنواع الرخص:
- إباحة المحرم عند الضرورة: كالتلفظ بالخروج من الدين مع سلامة ما في سريرته إذا أكره على ذلك بالقتل، قال تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) ومثله: أكل الميتة وشرب الخمر، لأنّ حفظ الحياة ضروري، فأباح الشارع الحكيم أكل الميتة عند الجوع الشديد الذي يخاف فيه هلاك النفس، وكذا شرب الخمر عند العطش الشديد الذي يخشى فيه الهلاك، ومنه أيضاً: تخريب مال الغير عند الإِكراه عليه إكراها يؤدي إلى تلف النفس أو عضو منه.
- إباحة ترك الواجب، مثل: الفطر في رمضان للمسافر والمتعب من مرض دفعاً للتكلف فوق طاقة الانسان ومنه أيضاً: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان الحاكم طاغية ظالمة يقتل من يأمره وينهاه.
- تصحيح بعض العقود التي يحتاجها الناس، وإن لم تجر على القواعد العامة، مثل: بيع السلم، فقد أباحه الشارع الحكيم مع أنّه بيع شيء غير موجود، وبيع العدم باطل لكن أجازه الشارع استثناء من القواعد العامة في البيوع، تخفيفاً على المكلفين منها أيضاً: عقد الاستطناع، أباحهُ الشارع مع أنّه بيع معدوم لحاجة الناس إليه، وفي منعهم منه حرج.
حكم الرخصة:
الأصل في الرخصة الإباحة، فهي ترسل الحكم السياسي من لازم إلى مخير بين الفعل والترك، لأنّ أساس الرخصة ملاحظة عذر المكلف، ورفع التعب عنه، ولا يتأتی تحصيل هذا المقصود إلا بإباحة فعل المحظور وترك المأمور به، ومثل: الفطر للمسافر والمريض، فلكل منهما الإفطار عملاً بالرخصة، والصيام عملاً بالعزيمة إذا لم يضرهما الصوم، وهذه هي رخصة الترفيه على اصطلاح الحنفية؛ لأنّ الحكم الأصلي باقي لم ينعدم، ولكن رخص للمكلف ترکه ترفيهاً وتخفيفاً عنه.
وقد يكون الأخذ بالعزيمة أولى:
مع سماح الأخذ بالرخص، مثلاً: السماحُ بإجراءالكفر على اللسان، مع اطمئنان سريرتة، عند الإكراه عليه بالإيذاء وتهديد الحياة، ولكن الأولى: العزم على قول الحق، لما في ذلك من إظهار الاعتزاز بالدين، والصلابة بالحق، وإغاظة الكافرين، وإضعاف نفوسهم، وتقوية معنويات المؤمنين، يدل على ذلك: أن بعض أعوان مسيلمة الكذاب أخذوا رجلين مسلمين، وذهبوا بهما إليه، فسأل أحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: هو رسول الله، قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنت أيضاً، فتركه ولم يمسه بسوء، ثم سأل الآخر عن محمد فقال: هو رسول الله، قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنا أصم لا أسمع، فأعاد عليه ثلاثة، فأعاد جوابه، فقتله، فلمّا بلغ ذلك النبي ﷺ قال: (أمّا الأول فقد أخذ برخصة الله، وأمّا الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له).