القوائم التي تزيل الغفلة وتهيئ الخشوع في الصلاة

اقرأ في هذا المقال


القوائم التي تزيل الغفلة وتهيئ الخشوع في الصلاة:

إن من القوائم والقواعد والأسباب والأمور التي تأتي بالخشوع في الصلاة وترتكز عليها هي ما يلي:

  • ذكر الموت في الصلاة:
    لا شكّ أن من دخلَ في صلاتهِ وهو يذكر الموت، ويخشى أن تكون هذه الصلاةُ هي آخر صلاةٍ يُصلّيها، فإنه سيخشع في صلاتهِ؛ ولهذا أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بذلك؛ فعن أبي أيوب الأنصاريّ قال: جاءَ رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: عظِني وأوجِز؟ فقال: إذا قُمت في صلاتك فصلّ صلاة مُودعٍ ولا تكلم بكلامٍ تعتذرُ منه غداً، وأجمع اليأس ممّا في أيدي الناس” لفظ أحمد وماجه.
    ولفظ إبن ماجه: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله علّمني وأوجز، قال: إذا قمت في صلاتك فصلّ صلاة مودعٍَ، ولا تكلّم بكلامٍ تعتذر منه، وأجمع اليأس عمّا في أيدي النّاس”.
    وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذكر الموت في صلاتك؛ فإن الرَّجل إذا ذًكَرَ المَوتَ في صلاته لَحَريُّ أن يحسن صلاته، وَصَلَ صلاة رجلٍ لا يظن أنه يصلي صلاةً غيرها، وإياك وكلَّ أمر يعتذر منه”. أخرجه الديلمي.
  • الحذر من الغفلة في الخشوع:
    لا شك أن من أسباب الخشوع في الصلاة الحذر من الغفلة؛ فإن الغفلة من أسباب الخذلان والهلاك في الدنيا والآخرة؛ والغفلة: أيّ تركٌ بإختيار الغافل، وأما النسيان فهو: تركٌ بغير إختيار الإنسان، والسلامة منهما بالذكر، وهو التخلص من الغفلة والنسيان؛ ولعظم خطر الغفلة نهى الله تعالى ورسوله عنها فقال: “وأذكر رَبًّك في نفسك تضرعّاً وخيفةً ودون الجهر من القول بالغدوّ ولآصال ولا تكن من الغافلين” سورة الأعراف الاية: 205.
    والغافلون هم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم؛ فإنهم حرموا خير الدنيا ولآخرة، وأعرضوا عمّن كلّ السعادة والفوز بذكرة، وعبوديّته، وأقبلوا على من كلّ الشقاوة والخيبة في الإشتغال به. رواه تيسير الكريم الرحمن للسعدي.
    ومن أعظم خطر الغفلة أن من غفل عن الله عاقبه بأن يغفله عن ذكره، ويجعله يتبع هواه، ويكون أمره ضائعاً معطلاً، قال الله تعالى:  وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا “سورة الكهف :28.
    وأكثر الناس يعلمون ظاهراً من حياة الدنيا، ويغفلون عن الله ودار الآخرة، قال الله تعالى:” ولكن أكثر النّاس لا يعلمون- ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون” الروم:6-7.
  • الاستجابة لله ولرسوله مع العلم أن الله يحولُ بين المرء وقلبهِ:
    لا شكّ أنّ من أسباب الخشوع في الصلاة الاستجابة لله ورسوله عليه الصلاة والسلام مع الخوف من أن يحولُ الله بين العبد وقلبه، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” الأنفال:24. فالله تعالى يأمر عباده المؤمنين بالاستجابة له ولرسوله، والانقياد والمبادرة إلى ذلك، والاجتناب لما نهى عنه الله ورسوله، والدعوة إلى ذلك؛ لأن حياة القلب والروح بعبوديتهِ تعالى، ولزوم طاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولهذا حذر عن عدم الاستجابة لله ولرسوله فقال: “واعلموا أنّ الله يُحولُ بين المرء وقلبه” فإياكم أنّ تردوا أمر الله أول ما يأتيكم، فيُحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلفُ قلوبكم؛ فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلّب القلوب حيثُ شاء ويصرّفها كيف شاء.
    فينبغي للعبد أن يسأل الله أن يصرّف قلبهُ على طاعته؛ وذلك لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: “إنّ قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابعَ الرحمن كقلبٍ واحدٍ يُصرفهُ حيث يشاءُ” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم مصرّف القلوب صرّف قُلوبنا على طاعتك” رواه مسلم.
  • سؤال الله تعالى الخشوع في الصلاة:
    إنّ من الأسباب العظيمة التي تجلب الخشوع في الصلاة هي أن يسأل العبد ربه، ويتضرع إليه بسؤاله التوفيق للخشوع الذي يحبه الله سبحانه وتعالى في الصلاة، قال تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ” البقرة:186. وقال تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” غافر:60.
  • العلم بأن العبد ليس له من صلاته إلا ما عقل منها:
    ومن الأمور أيضاً التي تعين على الخشوع في الصلاة: أن يعلم العبد المسلم أنه ليس له من صلاته إلا ما أقبل عليه بقلبه؛ لحديث عمّار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: “إنّ الرّجل لينصرف وما كُتب لهُ إلّا عُشرُ صلاتهِ، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلثها، نصفها” رواه أبو داود.
  • معرفة خشوع النبي عليه الصلاة والسلام في صلاتهِ:
    إنّ ممّا يُعين على الخشوع في الصلاة ويجلبهُ معرفة ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من الخشوع في الصلاة؛ وقد كانت الصلاة قرّة عينهُ، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “حُبّب إليّ النساءُ والطّيبُ وجُعلت قُرةُ عيني في الصلاة” رواه النسائي.
    وقال النبي عليه الصلاة والسلام لبلال: “قُم يا بلالُ فأرحنا بالصلاةِ” وفي لفظ: “يا بلالُ أقم الصلاة أرِحنا بها” رواه أبو داود. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا قام في الصلاة طأطأ رأسهُ، ورمى ببصرهِ ورمى ببصره نحو الأرض موضع السجود، وكان في التشهد لا يجاوز بصره إشارته، هكذا ذُكر عنه عليه الصلاة والسلام.
  • معرفة خشوع الصحابة والتابعين وأتباعهم رحمهم الله:
    إنّ المُتأمل بتفكّرٍ في خشوع السلف الصالح في صلاتهم يزيدهُ ذلك خشوعاً؛ لما يشاهد ويعلم من خشوعهم العظيم الذي يدلُ على إحسانهم في صلاتهم، وأنهم يعبدون الله كأنهم يرونهُ، وهذه هي الدرجة العظمى من الإحسان في العبادة. وهذا هو أبو بكر رضي الله عنه يبكي في صلاتهِ كما ذكرت عائشة رضي الله عنهما. فمثلاً عمر الفاروق يُقتل وهو يُصلّي، ثم أغمي عليه، وعندما أفاق قال: “هل صلّى الناس” فسأل عن الصلاة قبل أن يسأل من الذي قتلهُ.
    وإنّ التابعي الجليل عروة بن الزبير يأمر الأطباء بقطع رجلهِ في الصلاة؛ لأنه لا يشعر بذلك؛ لتعلق قلبهُ بالله ومناجاتهِ. وهذا الإمام البخاري يلسعهُ الزنبور في سبعة عشر موضعاً من جسده تحت ثوبهِ ولم ينصرف من صلاتهِ، ولم ينظر حتى سلّم من صلاته، وغير ذلك كثير. فمن نظر في خشوع السلف الصالح في صلاتهم جلبَ له ذلك الخشوع إن كان قلبهُ سليماً.

شارك المقالة: