اقرأ في هذا المقال
الكفاءة:
الكفاءة لغة: المُماثلة والمساواة، يُقال: فلان كُفْءُ لفلان أي مساوٍ له. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلم: “المسلمون تتكافأ دماؤهم”. أي تتساوى، فيكون دم الوضيع منهم كدم الرفيع. ومنه قوله تعالى:”ولم يكن له كُفُواً أحد”.الإخلاص:4.أي لا مثيل له.
الكفاءة اصطلاحاً: هي المُماثلة بين الزوجين دفعاً للعار في أمور مخصوصة، وهي عند المالكية: الدين، والحال “أي السلامة من العيوب التي توجّب لها الخيار”.
وعند الجمهور: الدين، والنسب، والحرية، والحرفة أو الصناع، وزاد الحنفية والحنابلة: اليُسار أو المال. ويُراد منها تحقيق المساواة في أمور اجتماعية من أجل توفير استقرار الحياة الزوجية، وتحقيق السعادة بين الزوجين، بحيث لا تُعيّر المرأة أو أولياؤها بالزوج بحسب العرف.
وأمّا آراء الفقهاء في اشتراط الكفاءة، فلهم رأيان:
الأول: رأى بعضهم كالثوري، والحسن البصري، والكرخي من الجنفية: أن الكفاءة ليست شرطاً أصلاً، لا شرط صحة للزواج ولا شرط لزوم، فيصحُّ الزواج ويلزم سواء أكان الزوج كفئاً للزوجة أم غير كفُء، واستدلوا بما يأتي:
قوله صلّى الله عليه وسلم: “الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، إنما الفضل بالتقوى”.
فهو يدل على المساواة المطلقة، وعلى عدم اشتراط الكفاءة، ويدل له قوله تعالى:”إن أكرمكم عند الله أتقاكم”الحجرات:13وقوله تعالى:“وهو الذي خلق من الماء بشراً” الفرقان:54.
الثاني: رأى جمهور الفُقهاء منهم المذاهب الأربعة: أن الكفاءة شرط في لزوم الزواج، لا شرطُ صحة فيه،
عملاً بالأدلة التالية من “السنة والمعقول”.
والدليل من السنة:حديث علي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال له:”ثلاث لا تؤخر: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيمُ إذا وجَدت لها كفئاً”. رواه الترمذي والحاكم في نيل الأوطار.
قال الشافعي: أصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة، فقد خيّرها النبي صلّى الله عليه وسلم، لما لم يكن زوجها كفئاً لها بعد أن تحررت، وكان زوجها عبداً.
أما الدليل من المعقول: وهو أن انتظام المصالح بين الزوجين لا يكون عادة إلا إذا كان هناك تكافؤ بينهما؛ لأن الشريفة تأبى العيش مع الوضيع، فلا بد من اعتبار الكفاءة من جانب الرجل، لا من جانب المرأة؛ لأن الزوج لا
يتأثّر بعدم الكفاءة عادة، وللعادة والعرف سلطان أقوى وتأثير أكبر على الزوجة، فإذا لم يكن زوجها كفئاً لها، لم تستمر الرابطة الزوجية، وتتفكك عُرى المودة بينهما، ولم يكن للزوج صاحب القوامة تقدير واحترام. وكذلك أولياء المرأة يأنفون من مُصاهرة من لا يُناسبهم في دينهم وجاههم ونسبهم، ويعيرون به، فتختلّ روابط المُصاهرة أو تضعف، ولم تتحقق أهداف الزواج الاجتماعية، ولا الثمرات المقصودة من الزوجية.
ماهو نوع شرط الكفاءة:
هل الكفاءة شرط صحة أو شرط لزوم؟ اتفق فُقهاء المذاهب الأربعة في الراجح عند الحنابلة والمعتمد عند المالكية والظاهر عند الشافعية على أن الكفاءة شرطُ لزومٍ في الزواج، وليست شرطاً في صحة النكاح، فإذا تزوجت المرأة غير كَفُء، كان العقد صحيحاً، وكان لأوليائها حق الاعتراض عليه وطلب فسخه، دفعاً لضرر العار عن أنفسهم،
إلا أن يسقطوا حقهم في الاعتراض فيلزم، ولو كانت الكفاءة شرط صحة لما صح، حتى ولو أسقط الأولياء حقهم
في الاعتراض؛ لأن شرط الصحة لا يسقط بالإسقاط.
رأي الحنفية في شرط الكفاءة:
الكفاءة عند الحنفية في الجملة تُعدّ شرط لزوم، لكن عند المتأخرين إنّ الكفاءة شرطٌ لصحة الزواج في بعض الحالات، وشرط لنفاذه في بعض الحالات، وشرط للزومه في حالاتٍ أخرى.
الحالات التي تكون الكفاءة فيها شرطاً لصحة الزواج، فهي ما يأتي:
– إذا زُوِجَّت المرأة البالغة العاقلة نفسها من غير كفء أو بغبن فاحش، وكان لها وليٌّ عاصب لم يرض بهذا الزواج قبل العقد، لم يصح الزواج أصلاً، لا لازماً ولا موقوفاً على الرضا بعد البلوغ.
– إذا زُوّجَ غير الأصل الأب والجد أو الفرع الابن عديم الأهلية أو ناقصها، أي المجنون والمجنونة أو الصغير والصغيرة من غير كفء، فإن الزواج فاسد؛ لأن ولاية هؤلاء منوّطة بالمصلحة، ولا مصلحة في التزويج بغير الكفء.
– إذا زوج الأب أو الابن المعروف بسوء الإختيار عديم الأهلية أو ناقصها، من غير كفُء أو بغبن فاحش، لم يصحّ النكاح اتفاقاً. وكذا لو كان سكران، فزوّج المرأة من فاسق أو شرير أو فقير أو ذي حرفة دنيئة، لظهور سوء اختياره، وانعدام المصلحة في هذا الزواج.
ويلزم النكاح ولو بغبنٍ فاحش بنقص مهرها وزيادة مهره، أو زوجّها بغير كفء إن كان الولي المزوّج أباً أو جداً أو ابن المجنونة إذا لم يعرف منهما سوء الإختيار.
وتكون الكفاءة شرطاً لنفاذ الزواج:
إذا وُكَّلَت المرأة البالغة العاقلة شخصاً في زواجها، سواء أكان ولياً أم أجنبياً عنها، فزوَّجها بغير كفء، كان العقد موقوفاً على إجازتها؛ لأن الكفاءة حقٌ للمرأة ولأوليائها، فإذا لم يكن الزوج كفئاً لها، لا يُنفَّذ العقد إلا برضاها.
أما الكفاءة شرطاً للزوم الزواج في ظاهر الرواية:
إذا زوّجت البالغة العاقلة نفسها من كفُء، كان الزواج لازماً، وليس لوليها حق الإعتراض وطلب الفسخ، فإن زوُّجت نفسها من غير كفُء، كان لوليّها العاصب حق الإعتراض. ويتبيّن من هذا أنّ الكفاءة تشبه عند الحنفية ولاية الزواج، ففي حالات قد تكون الولاية شرطاً في صحة الزواج، وقد تكون شرطاً في نفاذه، وقد تكون شرطاً في لزومه.
ماهي شروط لزوم الزواج عند الحنفية:
- أن يكون الولي عند تزويج الصغير والصغيرة هو الأب أو الجد. أمّا غيرهما كالأخ والعم إذا زوِّج الصغار، فلا يلزم الزواج في رأي أبي حنيفة ومحمد، ويكون لهم الخيار بعد البلوغ. وقال أبو يوسف: يلزم نكاح غيرُ الأب والجد من الأولياء، فلا يثبتُ للصغارِ الخيارُ بعد البلوغ.
- أن يكون الزوج خالياً من العيوب الجنسية، ولا يؤثّر على زواجه خللُ مثل هذا العيب.
- أن تُزوّج المرأة نفسها بمهر المثل، أي بمعنى أنها إذا زوّجت نفسها بغبن فاحش، لم يلزم العقد، وكان للأولياء عند أبي حنيفة حق الإعتراض، حتى يتمّ لها مهرُ مثلها أو يُفارقها؛ لأن الأولياء يفتخرون بغلاء المهور ويلحقه العارُ بنقصانه، فأشبه الكفاءة. وقال الصاحبان: ليس لهم ذلك؛ لأن ما زاد على العشرة دراهم حقها، ومن أسقط حقه لا يحقُ له أنّ يعترض عليه.
- أن يكون الزوج كفئاً للمرأة، فإن زُوِّجت المرأة نفسها من غير كفء لها، كان للأولياء حق الإعتراض، ويفسخ القاضي العقد إن ثبت له عدم كفاءة الزوج وذلك دفعاً للعار. وهذا مُتفق عليه بين المذاهب الأربعة.