اللقاء الحاسم بين موسى عليه السلام وفرعون

اقرأ في هذا المقال


القاء الحاسم بين موسى عليه السلام وفرعون:

لقد طلب فرعون من موسى عليه السلام أن يضرب لهم موعداً يجتمع فيه السحرة ليقاموا سحره، فقال: “فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى” الموعد: وهو الميعاد، وهو الذي يتفق عليه الطرفان حتى لا يُخلفه أحداً منهما؛ ومعنى مكاناً سوى أي مكاناً مستوياً؛ لانه سيكون مشهداً يراه الناس فلا بدّ أن يكون مكاناً مسوياً حتى يتمكن الجميع من الرؤيا بسهولة، أو أن المعنى مكاناً سوى إي سوا بالنسبة لنا ولك، أي نختاره سهلاً على الناس علينا وعليك مثلما نقول هيا نتقابل في منتصف الطريق، فلا يكون في ذلك تعبٌ لنا ولا تعبٌ لك.
قال له موسى: “قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى” طه:59. إنّ كل حدث يتطلبُ محدثاً له وموقعاً عليه الحدث، فالحدثُ يتطلب زماناً ومكاناً فلا حدث بغير زمان أو مكان، فبعد ان تمّ تحديد المكان، كان الزمانُ هو “يوم الزينة” إذن فإن عناصر الحدث قد اكتملت زماناً ومكاناً، ويوم الزينةِ هو اليوم الذي كان يجتمعُ فيه كلُ سكان مصر، وبدوا أنه كان يوم وفاء النيل، وسُميّ يوم الزينة؛ لأن الناس كانوا يحتفلون به بأغلى شيءٍ عندهم وهو النيل، فيلبسون أفخر ما عندهم من ثيابٍ ويخرجون في موكب الإحتفال، واختار موسى يوم الزينة تحديداً لانه اليوم الذي يجتمعُ فيه كلّ الناس؛ لانه واثقٌ تمام الثقة من أن ربه سينصره ويُريد أن تكون فضيحة فرعون أمام الناس جميعاً.

اتهام موسى عليه السلام بالإفساد في الأرض:

قال الله تعالى: “وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ” الأعراف:127. إن هذا الخطاب من الملأ يدلُ على أن فرعون لم يتعرض لموسى عليه السلام حينما أمر بصلّب السحرة؛ ذلك لأن رهبة الحق واليقين فيما رآهُ من معجزة موسى، كانت تملأ قلبه فتجعلهُ لا يقترب منه، ففرعون قد علم ورأى أن السحرة كاذبون، وأن موسى على حق، وانهدمت ألوهية فرعون أمام الحاضرين؛ فلذلك كان فرعون في موقفِ ارتباكٍ وهنا أراد أن يُنبه الحاضرين إلا انه لم يفعل شيئاً بالنسبة لموسى وهارون، وأنهم تركا المكان دون أن يصابا بسوءٍ فتساءلَ الملأ: أتترك موسى ومن اتبعوه ليفسدوا في الأرض؟ كانهم قد وصفو منهج الحق بأنه إفسادٌ لماذا؟ لأنه يأخذ منهم جاههم وسلطانهم ونفوذهم، ولذلك فهو في رأيهم فسادٌ يقول الحق، فقال تعالى: “وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَالأعراف:127.
وهنا نلاحظ كلمة “وَآلِهَتَكَ” لم يكن فرعون يدعي الألوهية؟ نعم فقد كان يدعي الألوهية في الأرض ويقول إنه هناك ءالهةٌ في السماء، وإن كانت بعض التفاسير تقول: إن ألوهيتك، فبماذا اجاب فرعون؟ “قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ” الأعراف:127. فنلاحظ هنا أن فرعون لم يتعرض لموسى عليه السلام، وفي ذلك تقول بعض التفاسير أنّ الحيّة التي ظهرت حينما ألقى موسى عصاهُ اتجهت إلى فرعون وفتحت فاهها حتى ظهرت أنيابها، وأن هذا جعلَ فرعون ويخشى موسى عليه السلام ولا يقترب منه.
وقال فرعون: “وأنّا فوقهم قاهرون”؛ يُريد أن يعطي الحجة أمام ملئهِ أنه ترك موسى، فالقوى حين يهاجمه شخصٌ ضعيف، فإنه لا يقضي عليه ولا يتركه، ومؤكداً أنه يستطيع أنّ يأتي به في أيّة لحظةٍ؛ لأنه يملك القهر الذي يجعلهُ يأتي به، وقتلُ فرعون للرجال واستحياؤه للنساء إذلالٌ لقوم موسى.
ولما ذهب قوم موسى إليه يشكون الذلّ الذي يعانونه؛ فما كان من موسى إلّا أن قال لهم: “قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” الأعراف:128. يُريد موسى أن يُسرّي عن قومه العذاب الذي هم فيه ويذّكرهم بأن النصر للمتقين المؤمنين، وقول موسى: “اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ” معناه أنه إذا كان قوم فرعون قاهرين مستعجلين مسيطرين، فاستعينوا بالله الذي هو أقوى منهم.
نحنُ نعرف أنّ الله تعالى يُريد أن يمنّ على بني إسرائيل ويُمكنهم ويجعلهم الوارثين، ولكن ماذا قال قوم موسى؟ وما موقفهم بعد أنّ طلب منهم أن يستعينوا بالله: “قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا” الأعراف:129. كأنما هم يذكّرونه بأن مجيئهُ لهم لم يُغير شيئاً، فقبل أن يأتي موسى كان الفراعنة يقتلون الأبناء ويستحيون النساء، ولم يُغير مجيئهُ إليهم شيئاً.
فموسى عليه السلام رسولٌ مرسل من أجل هداية قومه، ومؤيدٌ بمعجزاتٌ، وإذا كان هذا هو موقفه فلن يردّ الله له رجاءً، ويكون الرجاء منه مقبولاً. إذن فالحديث هنا هو رجاءٌ محقق الوقوع، ولكن نعمة الله على بني إسرائيل لن تتوقف عند إزالة الضرر عنهم إنما تمتدُ ليستخلفهم الله في الأرض تماماً.


شارك المقالة: