المكروه: ما كان تركه أفضل من فعله، أو ما طلب الله من الإنسان عدم القيام به، لا بالأجبار كما لو أنَّ النص يدلُ على الإكراه ، أو كانت دلالة من دلالات النهي، وقامت القرينة على صرفها من التحريم إلى الكراهة، قوله عليه السلام: (إنّ الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) وقوله : (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، والقرينة الصرافة عن التحريم إلى الكراهة، ما جاء بنفس الآية وهو قوله تعالى: (وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) صدق الله العظيم.
حكم المكروه:
أنَّ فاعله لا يأثم، وإن كان ملوماً، وأن تاركه يمدح ويثاب، إذ کان ترکه لله،وما قدمناه في المكروه على رأي الجمهور واصطلاحهم ، فالمكروه عندهم نوع واحد، كما ذكرناه.
المكروه عند الحنفية:
- عند الحنفية، فعندهم المكروه نوعان الأول: المكروه من ناحية التحريم: ما طلب الله من الإنسان ترك الفعل حتماً، بدليل ظنيّ : البيع على بيع الغير، فقد ثبت كل منهما خبر الآحاد، وهو دليل ظنيّ وهذا النوع من المكروه يقابل الواجب عند الحنفية، حكمه حكم المحرم عند الجمهور، أي: يستحق فاعله العقاب وإن كان لا يكفر منكره، لأنَّ دليله ظنيّ.
- الثاني، المكروه من ناحية التنزيه: وهو ما طلب الله تركه طلباً غير ملزم للإنسان مثل: أكل حيوان مثل: الخيل للحاجة إليها في الحروب،وحكم هذا المكروه: أنَّ فاعله لا يذم ولا يعاقب، وإن كان فعله خلاف الأولى بالأفضل.
الخلاف بين الحنفية والجمهور:
فهذا الخلاف بين الحنفية وبين الجمهور، فالحنفية: نظروا إلى دليل الطلب الكف الإزامي عن الفعل، فإن كان الدليل قطعياً: فهو المحرم عندهم وإن كان الدليل غير قطعي: فهو المكروه تحريماً، وإن كان ترك الفعل غير إلزامي: فهو المكروه تنزيهاً، أمّا الجمهور: فلم ينظروا إلى الدليل من جهة قطعيته وظنيته، وإنَّما نظروا إلى طبيعة طلب الكف عن الفعل، فإن كان إلزامياً : فهو المحرم عندهم، سواء أكان دليله قطعي أم كان ترك الكف غير إلزامي: فهو المكروه عندهم، وهو ما يقابل المكروه تنزيهاً عند الحنفية.
المباح شرعاً:
- هو ما خير الله الإنسان بین عمل الفعل وعدمه، ولا مدح له ولا قدح على الفعل وعدم الفعل، ويقال له: (الحلال) وتعرف الإباحة بأمور، منها :
- النص من الشارع بحِل الشيء، مثل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ) صدق الله العظيم.
- النص من الشارع على نفي الإثمِ أو الضيق، فمن الأول: قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ). ومن الثاني قال تعالى :(لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ) صدق الله العظيم، ومن الثالث قال تعالى : (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ).
- ج. التعبير بالأمر مع وجود القرينة الصارفة من الواجب إلى الإباحة، قال تعالى :(وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ) صدق الله العظيم، أي: إذا تحللتم من إحرام الحج، فالصيد لكم.
- التعبير بالمباح، وعلى هذا فالأفعال من العقود والأشياء من جماد أو حيوان أو نبات الأساس فيها الإباحة، فإذا لم يرد دليل الله على حكم، فحكمها مباح تماشياً للإباحة الأساسية، هذا وإنّ حكم المباح: أنّه لا ثواب فيه ولا عقاب، ولكن قد يثاب عليه بالنيةِ والهدف، كمن يمارس أنواع الرياضة البدنية بنية تقوية جسمه، ليقوى على محاربة الأعداء.
المباح بالنسبة للكل:
أنّما نجب أن نلاحظهُ أن المباح على ما فسرناه إنّما هو بالنسبة للجزء، وأمّا بالنسبة للكل فهو إمّا مطلوب الفعل أو الترك، فالإباحة تتجه إلى الجزئيات، لا إلى الكليات، وإلى بعض الأوقات، لا إلى جميع الأزمان، فترك الطيبات مندوب، والتخيير في جزئياتها فعلاً وتركاً ووقتاً دون وقت مباح حلال، الأكل : فهو مباح، بمعنى: أنّ للمكلف أن يتخير أنواع المطعومات المباحة، فيأخذ منها ما يشاء ويترك ما يشاء، كما له أن يترك الأكل في وقت من الأوقات، ولكنَّ أصل الأكل مطلوب فعله من حيث الجملة، لأنّ فيه حياة الإنسان.
وحفظ الحياة مطلوب من المكلف، والتمتع بالطيبات من مأكل ومشرب وملبس: مباح من حيث الجزء، وفي بعض الحالات، فللمكلف أن يتمتع أو لا يتمتع بهذا الجزئي من الطيبات، مأكولاً كان، أومشروباً، أو ملبوساً، حتى لو تركه في بعض الأوقات مع القدرة عليه لا حرج عليه، ولكن لو تركه جملةً لكان على خلاف المندوب شرعاً، ففي الحديث عن النبي : (إنّ الله يحبُ أن يرى أثر نعمتهِ على عبده).