النبي الأمي ومعجزة القرآن الكريم:
من دلائل المعجزات النّبوية أنّ الكتاب الكريم الذي أنْزلَه الله على النّبي محمد صلّى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم كان معجِزٌ لمشركي وكفار العرب وأيضاً لمن يأتي بعدهم من الأمم إلى يوم القيامة.
رغم أنّ المشركين من العرب كانوا أهلُ الفصاحة والبلاغة في اللغة العربية، ومع ذلك واجههم النّبي محمد صلّى الله عليه وسلم وتحدَّاهم بأن يأتوا بمثل ذلك الكتاب، وحتى أنّه تحداهم بأن يأتوا بسورة أو آية من مثل تلك الأيات والسور؛ وذلك حتى يتفكرْ أصحاب العقل في تلك المعجزة الباهرة العظيمة.
يقول ابن عاشور صاحب التحرير والتنوير: “أفلا تعقلون أنَّ مثل هذا الحال -من الجمع بين الأُمِّيَّة والإتيان بهذا الكتاب البديع في بلاغته ومعانيه- لا يكون إلاَّ حال مَنْ أفاض الله عليه رسالته؛ إذ لا يَتَأَتَّى مثله في العادة لأحدٍ”.
وقد اعترف المشركون والكفار في قريش في قديم الزمن أنّ ذلك القرآن الكريم المعجز لا يمكن أبداً أن يتأتى به رجل أُمِّيٍّ مثل النّبي محمد لا يعرف أن يقرأ ولا أن يكتب؛ حينها ادَّعَوْا أنّ هذا هو سحرٌ يُؤْثَر.
فعتبة بن ربيعة يقول: “إني والله قد سمعتُ قولاً ما سمعتُ مثله قَطُّ، ما هو بالشعر ولا الكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خَلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه، فوالله! ليكوننَّ لقوله الذي سمعتُ نبأ، فإنْ تُصِبْهُ العرب فقد كُفِيتُمُوهُ بغيركم، وإنْ يَظْهَرْ على العرب فمُلْكُهُ مُلْكُكُم، وعِزُّه عِزُّكم، وكنتُم أسعد الناس به”، ومع ذلك ما كان منهم أن قال الكفار له: “سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه”.
كما أَدْرَكَ ( اسْتَدَلَّ وتنبه) بهذا أيضًا الفتى عَدَّاس ذلك الفتى النصراني الذي بعثه ابني ربيعة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقِطْف من العنب، بعد أن لجأ النبي إلى حائطهما، حيث كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عائدٌ من الطائف يملئه الكرب والحزن على عدم دخول أهلها في دين الله تعالى.
ففعل عَدَّاس ذلك، وأقبل قادم به للنبي حتى وضعه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعندما وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده قال النّبي: “بسم الله”، بعد ذلك أكل النّبي، فنظر الفتى عَدَّاس إلى وجه النّبي، ثم قال للنبي: “والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مِنْ أَيِّ الْبِلادِ أَنْتَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ فقال عَدَّاس: أنا نصراني، وأنا رجل من أهل نِينَوَى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، فقال له الفتى عَدَّاس: وما يُدْرِيكَ ما يونس بن متى؟! والله لقد خرجتُ من نينوى وما فيها عشرة يعرفون مَتَّى، من أين عَرَفْتَ أنت مَتَّى وأنت أُمِّيٌّ وفي أُمَّةٍ أُمِّيَّة؟! فقال رسول الله : هُوَ أَخِي، كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيٌّ”.
حينها أكبَّ (همّ) الفتى عَدَّاس على رسول الله صلّى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ رأسه الشريف ويديه ورجليه الشريفتين، فعندما عاد عَدَّاسٌ، قال ابن ربيعة لعداس: “ويلك يا عَدَّاسُ! ما لَكَ تُقَبِّلُ رأس هذا الرجل ويديه ورجليه؟ فقال عدَّاس: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل، لقد خَبَّرَنِي بأمر لا يعلمه إلاَّ نبي”.
وقد حاول العديد من المشكِّكِينَ أن يَنْفُوا ويزيحوا ويبعدوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم صفة الأُمِّيَّة؛ لأنّ النّبي تنبأ بالعديد والكثير من الأمور الأحداث المستقبليَّة، مثل حدث هزيمة الفرس، كما، وغير ذلك من الأحداث التاريخية دون أن يتعلم النّبي، إنّما يُعَدُّ هذا عبارة عن معجزةً عقليَّةً باهرةً وعظيمة لا يمكن أن ينكرها إلاَّ المكابرون، وحتى أنّ هؤلاء المكابرون يعلمون بشكل جيد أنّ أُمِّيَّة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم مذكورة في كتب التوراة والإنجيل، والذي هو مصداقًا لقول الله تعالى: “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ” ….سورة الأعراف.
كما قال الله تبارك وتعالى في آية من سورة آل عمران: “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ”…..سورة آل عمران، حيث يشهدون أنّ صفة الأميّة للنبي محمد مذكورة في كتابهم، ثم تكفرون بالنّبي ومن ثم تنكرونه، ومن ثمّ لا تؤمنون به، وأنتم تجدون النّبي الكريم مكتوبًا عندكم في كتب التوراة والإنجيل: “النَّبِيَّ الأمِّيَّ الذي يؤمن بالله وكلماته”، فتلك كانت أُمِّيَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم دليلاً من أَدِلَّة صدق النّبي الكريم ونُبُوَّتِهِ أيضاً.