الوكالة:
الوكالة: هي عقد تفويض يُفوّضُ به الموكَّل الوكيلُ عنهُ فيما يحقُّ لهُ نفسُ الشخص التصرّف به، إذا كان مُحلّ التصرّف محتملاً للوكالة، ويكون تصرّف الوكيل بعدئذٍ بمحل الوكالة تصرفاً نافذاً ما دام مستكملاً لشروطه الشرعية.
والوكالة في الزواج شأنها فيه كشأنها في سائر العقود الأخرى، فتكون مطلقة وتكون مقيدة.
والوكالةُ تجري في كل العقود، ومنها عقدُ الزواج، فإذا وكَّل إنسان إنساناً آخر بزواجه، وكانت الوكالة مستوفية شروطها الشرعية، وكان الوكيل وليّاً على الموكَّل في زواجه بتولِيَته هو له، لا بتوليه الشارع له، على خلاف النيابةِ الشرعية، كالوليّ والوصي، فإنهما وليَّان من الشارع مباشرة. فإذا كانت مقيدة تقيد الوكيلُ بقيودها، وكان تصرُّفه نافذاً على الموكل بمجرد صدوره، فإذا تجاوز الوكيل هذه القيود كان تصرفهُ موقوفاً على إجازة المُوكلِ اللاحقة، لأنه فضولي، فإن أجاز الموكل التصرف نفذ وإلا بطل.
حكم الوكالة في الزواج:
يرى الحنفية: أنه يصح التوكيل بعقد الزواج من الرجل والمرأة إذا كان كل منهما كاملُ الأهلية أي بالغاً عاقلاً حُرّاً؛ لأن للمرأة عندهم أن تزوّج نفسها، فلها أن توكّل غيرها في العقد؛ عملاً بالقاعدة الفقهية القائلة: كل ما جاز للإنسان أن يباشره من التصرفات بنفسه، جاز له أن يوكل غيره فيه، إذا كان التصرف يقبل النيابة.
ويَصحُّ التوكيل بالعبارة أو الكتابة، ولا يشترط بالإتفاق الإشهاد عند صدور التوكيل، وإن كان يستحسن للوكيل أن يشهد على التوكيل، للاحتياط خوفاً من الإنكار عند النزاع.
ويرى الجمهور غيرالحنفية: أنه لا يصحُّ للمرأة توكيل غير وليّها في الزواج؛ لأنها لا تملك إبرام العقد بنفسها، فلا تملك توكيل غيرها فيه. لكن يجوز لوليّ المرأة المجبر التوكيلُ في التزويج بغير إذنها، كما يزوجها بغير إذنها. ولا يشترط.
ما هي مدى صلاحية الوكيل؟
الوكيلُ في الزواج كالوكيلِ في سائر العقود، فلا يجوز له عند الحنفية أن يوكِّل غيره؛ لأن المُوكلُ قبل برأيه، لا برأي غيره، إلا إذا أذن له المُوكل، بأن يُوكل عنه من شاء، أو أن يفوض إليه أمرُ زواجه، فله حينئذٍ أن يوكل عنه.
وتحدد صلاحيات الوكيل عند الحنفية بحسب نوع الوكالة سواء كانت مطلقة أو مقيدة؛ لأن الوكيل يستمد سلطته من الموكّل، فلا يملك إلا ما وكّله، وينفذ عليه تصرفه فيما وكّلهُ فيه، ويكون فضولياً فيما عداه، فيتوقف نفاذ التصرف على إجازة الموكّل. وتقسم أنواع الوكالة هنا إلى قسمين:
الوكالة المقيدة:
الوكالة المقيدة: وهي أن يقيّد المُوكّل الوكيل في التزويج بأوصاف معينة. فيتقيّد فيها الوكيل بما قيّده به المُوكل، وليس له أن يخالفه فيما قيده به، إلا إذا كانت المخالفة لخيرِ الموكل، فحينئذ يُنفّذ العقد على الموكّل. وإنّ تقيد بالقيد نُفذّ العقد أيضاً، وإذا خالف القيد توقّف عند الحنفية والمالكية نفاذ العقد على إجازة الموكل، حتى ولو حصل دخولٌ بالمرأة دون أن يعلم الموكل بالمخالفة.
وعلى هذا إن قيده بامرأة معينة بالاسم، أو من الأسرة الفلانية، فإن زوجه بها قد نُفذ العقد عليه، وإن خالف وزَوجهُ غيرها كان مخالفاً، وتوقف نفاذُ العقد على إجازة الموكل، فإن أجازه نفذ، وإن لم يجزه أبطله؛ لأن الوكيل يصبح بالمخالفة فضولياً، وعقد الفضولي عند الحنفية والمالكية موقوف على إجازة صاحب الشأن فيه.
وإن قيده بمهرٍ معين، فزوجه به، كان العقد نافذاً على الموكّل، وإن خالف كان العقد موقوفاً على إجازة الموكل، إلا إذا كانت المخالفة إلى خير الموكل، فيصح العقد وينفذ، كأن قال: زوجني بألف فزوجه بأقل من ألف، نفذ العقد من غير إجازة المُوكل، ومن أمر رجلاً أن يزوجه امرأة، فزوجه اثنتين في عقد واحد، فلا تلزمه واحدة منهما؛ لأنه لا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة، ولا إلى التنفيذ في إحداهما لا على التعيين، للجهالة، ولا إلى تعيين واحدة منهما، لعدم الأولوية، فَتُعين التفريق.
الوكالة المطلقة:
وهي التي لا يكون التوكيل فيها مُعلقاً بشرط أو مضافاً إلى وقتٍ، أو مقيداً بقيد، كأنّ لم يُعين الموكّل امرأة معينة ولا وصفاً معيناً ولا مهراً. واختلفوا أئمة الحنفية فيها ومن أرائهم مايلي:
رأى أبو حنيفة: أن للوكيل الحق أن يزوجه بأيّ امرأة ولو غير كفء له، وبأي مهرٍ، إلا إذا كان التصرف موضع تهمة؛ لأن القاعدة عنده هي: أن المطلق يجري على إطلاقه، فيرجع إلى إطلاق اللفظ وعدم التهمة، فله أن يزوجه بمقدار مهر المثل أو أكثر، أو يزُوجه عمياء أو شلاء أو شوهاء أو ماشابه، وإذا كان المُوكل هو المرأة فينفّذ العقد عليها متى كان الزوجُ كفئاً، سواء أكان الزواج بمهر المثل أم أقل، وسواء أكان الزوج صحيحاً أم مشوهاً، عملاً بالإطلاق، فأبو حنيفة يراعي عبارة الموكل ولفظه.
ورأى الصاحبان وباقي المذاهب: أنه يتقيّد الوكيل بالمتعارف استحساناً؛ لأن الإطلاق مقيد عرفاً وعادة بالكفء وبالمهر المألوف، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فإذا زوجه امرأة كفئاً ملائمة له، وهي السليمة من العيوب وبمهر لا غبن فيه، كان الزواج نافذاً على الموكل. وإن زوجه بعمياء أو مقطوعة اليدين أو مفلوجة أو مجنونة أو رتقاء، أو بمهر مصحوب بغبن فاحش، توقّف العقد عند الصاحبين والمالكية على إجازة الموكّل، لمخالفته المعروف بين الناس في الوكالات. ولا يصح العقد عند الشافعية والحنابلة.