صور من فتنة الدجال:
إن الله تعالى يعطي الدّجال بعضاً من الأمور الخارقة للعادة، والتي تُدهش العقول، ويُفتن بها ضعاف العقول والإيمان، ومن بعض هذه الأمور هي ما يلي:
- استجابة السماء والأرض لأمرهِ: فإن من فتنة الدّجال أنه يأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، ويأمر الخربة فتخرج كنوزها المدفونة فيها، وغير ذلك من الفتن، والتي أوضحها النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” فيأتي القومَ فيدعوهُم فيستَجيبونَ لَهُ، ويؤمنونَ بِهِ، فيأمرُ السَّماء أن تُمطِر فتُمطر، ويأمرُ الأرضَ أن تُنبِتَ فتُنبِت، وتَروحُ عليهم سارحتُهم أطولَ ما كانت ذُرى، وأسبغَهُ ضروعاً، وأمدَّهُ خواصرَ، ثمَّ يأتي القومَ فيدعوهم فيردُّونَ علَيهِ قولَهُ، فينصرِفُ عنهم فيُصبحون مُمحِلين، ما بأيديهم شيءٌ، ثمَّ يمرَّ بالخَربَةِ، فيقول لَها: أخرِجي كُنوزكِ فينطلقُ، فتتبعه كنوزُها كيَعاسيبِ النَّحلِ”. شرح النووي لمسلم.
فلا بدّ أن نعلم أن الولاية نوعان: ولاية للرحمن، وولاية للشيطانِ، فكل مؤمن تقيُ نقي يقوم بالواجبات ويترك المنهيات، فهو ولي لله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام والحديث عند الطبراني:” إن أولياء المُصلون ، من يقيم الصلوات الخمس التي كتبهن الله ويصوم رمضان ويحتسب صومه، ويؤتي الزكاة، وقال كذلك عنهم الله تعالى في كتابه العزيز:”أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ“-الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ” يونس:62-63.
فإن هؤلاء الأولياء الأتقياء قد يظهرُ الله تعالى على أيديهم شيئاً من خوارق العادات ، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، لكن الولي الحق الصادق في ولايته، يحاول أن يخفي ما أكرمه الله به من هذه الخوارق؛ فلا يظهرها للناس، لكن هناك فتنة من الناس، قد ضيّعوا شرع الرحمن وركبوا الموبقات، وقد تظهر على أيديهم معجزات، كحالِ المسيح الدّجال، فالقول فيهم أنهم فتنة يبتلي الله تعالى به عباده. - معه جنة ونار، وكذلك ماء ونار: ولكن ناره جنة وجنته نار، وهذا ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، فقد أخرج الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” معه جنة ونار، فنارهُ جنّة، وجنته نار. ثم يُبين النبي عليه والصلاة والسلام ماذا يفعل من أدرك هذا. فهناك رواية عند الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” لأنا أعلمُ بما مع الدّجال منه، معهُ نهران يجريان، أحدهما: رأي العين ماء أبيض، والآخر: رأي العين نار تأجج فإما أدركن أحد، فليأت الذي يراه ناراً وليُغمض، ثم ليُطاطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد”.
وقد اختلف أهل العلم في كون الجنة والنار على الحقيقة، أم أن هذا خيال. فذهب فريق من أهل العلم منهم ابن حبان والبرزنجي في الإشاعة إلى: أن ما معه من جنة أو نار إنما هو تخييل وتمويه وليس حقيقة، واحتجوا بجملة من الأحاديث، منها:
– ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي عليه الصلاة والسلام قال:” وإنه يجيء بمثال الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه” قالوا فالباء زائدة في قول النبي عليه الصلاة والسلام: بمثال الجن والنار، والمعنى يأتي بِصورتيهما معه في نظر الناس.
– وأخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء، وصور النار سوداء تدخن. وفي رواية أخرى: ومعه مثل الجنة والنار.
– وأخرج الشيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:” ما سأل أحد رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الدّجال أكثر مما سألته، وإنه قال لي: ما يضرك فيه؟ قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء، قال: هو أهون على الله من ذلك.
لقد نقل الحافظ في الفتح عن ابن حبان رضي الله عنه أنه قال: إن معنى الحديث: أنه أهون على الله من أن يكون معه ماء يجري حقيقة، بل يُرى ذلك، فإن الذي معه يُرى أنه ماء وليس بماء حقيقة، أي أن ما ظهر من فتنة ليس له حقيقة، وإنما تخييل منه وشعوذة كما يفعل السحرة.
هناك فريق آخر من أهل العلم منهم ابن العربي إلى أن هذا على الحقيقة وليست خيالات ولا تمويهات، ولكن هذا أمر يُبتلي الله به العباد. واستدلوا بالأحاديث السابقة وحملوها على ظهرها، أنه معه جنة ونار على الحقيقة. وحملوا قوله عليه الصلاة والسلام في حديث المغيرة بن شعبة السابق وفيه:”هو أهون على الله من ذلك” على أنه أهون على الله من أن يخوف منه، أو يجعله آية على صدقه، أو يضلل الله به من يحبّه، وبهذا الأخير، قال القاضي عياض: حيث نقل عنه الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: معناه هو أهون على الله من أن يجعل ما خلقه الله تعالى على يده مضلاً للمؤمنين ومشككاً لقلوبهم، بل إنما جعله له ليزداد الذين آمنوا إيماناً، ويثبت الحجة على الكافرين والمنافقين وغيرهم، وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك.
والراجح من هذه الآراء، الرأي الثاني:، أي أن معه جنة ونار على الحقيقة والغرض هو الاختيار.
يقول ابن كثير: إن الذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدّجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه، وهذا كله ليس بمخرفة بل له حقيقة، امتحن الله به عباده في ذلك الزمان، وستكون باطن الجنة التي يُسخرها الله للدّجال ناراً، وباطن النار جنة. - ومن فتن الدّجال أيضاً ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، في الحديث الذي ذكره الإمام أحمد والطبراني بسند حسن عن سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:”خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال إنَّه لم يكن نَبِيٌّ قَبلِي إلَّا حَذَّر أُمَّتهُ الدجال هو أعور عينِه اليُسرى بعَينِهِ اليُمنى ظفرةٌ غلِيظَةٌ مكتوب بين عَينَيهِ كافر يخرُج معَه وَادِيان أحدُهما جنَّةٌ والآخر نارٌ فجنَّتُهُ نارٌ ونارُه جنةٌ معَهُ ملَكَانِ مِنَ الملائِكَةِ يُشَبَّهَان بِنَبِيَّينِ مِنَ الأنبياءِ أحدُهما عن يمينِهِ والآخَرُ عن شمالِهِ وذلِكَ فتنَةُ الناسِ يقولُ ألستُ بربِّكُم أُحيِي وأميت فيقول أحدُ الملَكَينِ كذَبت فما يسمَعهُ أحدٌ من الناس إلا صاحبهُ فيقول له صدَقت ويَسمَعه فَيَحسَبون أنه صَدَّق الدجال وذلك فِتنَةٌ ثم يسيرُ حتى يَأتِي المدينةَ ولا يُؤَذِّنُ له فِيها ثم يقولُ هذِه قَريَةُ ذَلِكَ الرجل ثم يسيرُ حتى يَأتِيَ الشام فَيُهلِكه اللهُ عزّ وجلَّ عند عَقَبَةِ أَفِيق”.
- ومن فتنة ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث أبي أمامة رضي الله عنهم:” وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يابني اتبعه، فإنه ربك” صحيح الجامع.