اقرأ في هذا المقال
فضل الله ونعمه على عيسى وأمه عليهما السلام:
قال تعالى: “وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ” المائدةِ:110. إنّ هذه الآية يسردُ نعمهُ على عبده ورسولهِ عليه السلام، وسرد النعمة على الرسول ليس المقصود منه تنبيه الرسول إلى النعمة، فالرسول إلى النعمة، فالرسول يعلم النِعم جيداً؛ لأنها جرت عليه، ولكنه تقريع لمن رأى هذه الأحداث والنعم ولم يلتزم الإيمان بالله بعدها، إنّ النعمة أجراها الله على عيسى وأيدهُ الله بما يزكى رسالتهِ إلى قومهِ، فكأنها كانت نعمةً أولاً عليه؛ لأنهُ مصطفى مختار مؤيدةً، وهذا الذكر للنعمة لمن رآها وعرف أنها كفيلة بأنها تُثبت صدق عيسى في بلاغه عن ربه ولم يؤمن.
أقسام الآيات والنعم على عيسى عليه السلام وأمه:
تنقسم هذه الآيات والنعم تنقسم إلى قسمين وهما:
الأول: قسم يُقنع أصحاب العقول والألباب والفكر والمواجيد النفسية.
الثاني: قسم يقنع القوم الماديين الذين لا يؤمنون بملكوت الله في غيب الله.
فالقسم الأول: هو الذي يُقنع أصحاب العقول والألباب: هو تعليم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، والقسم الثاني الذي يقنع الماديين: هو الأمور المادية الحسية التي يعلم من يراها أنها لا يمكن أن تجري على يد بشر؛ كأن يخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخُ فيها تكون طيراً، وإحياؤه عليه السلام الموتى بعد موتهم، وإبراء الأكمه والأبرص؛ إن هذه الآيات خرق للناموس المادي، ولذلك يتبع الحق كل واحدةٍ منها يذكر الحق ذلك بالنسبة للآياتِ الأخرى؛ لأنها أمرٌ ظاهرٌ ومعروف، وقد فعل الحق ذلك حتى يكون الأمرُ واضحاً أمام كلّ إنسان ممن يحبون عيسى عليه السلام ويؤمنون به وبمن أرسلهُ.
فعل الحق ذلك حتى لا يخدع قوم عيسى عليه السلام في هذه الآيات ويظنوها ميزة مطلقة له، ولكنها مجرد آيات معجزات لإثبات صدق عيسى عليه السلام.
إنّ الحق يفعلُ ذلك لإثبات صدق الرسول في البلاغ عنه، وهذا الإثبات مشروط بشروطٍ عدة: أولها: أن يكون النبوغ قد بلغ درجةٍ قصوى في المجال الذي تحدث فيه تلك المعجزة، ومثال ذلك خرق الحق لناموس العصا، وهي فرع من الشجرة، وجعل موسى عليه السلام يُلقيها فإذا هي حيةً تسعى؛ إن ما أجراه الله على عصا موسى عليه السلام لم يكن سحراً ولكنهُ نقلها من جنسٍ إلى جنس، وكان قوم عيسى عليه السلام قد نبغوا في الطب، ولم يجرؤ أحدكم على أن يشفى بكلمةٍ واحدة الأكمه والأبرص أو أن يخرج الميت من موتهِ إلى الحياة، وعلى الرغم من تقدمهم في الطب لم يستطع أحدهم أن يفعل ذلك، وإن قال قائل: لقد تقدم الطب وصرنا ترفعُ قرنية عينُ الأعمى فيبصر، أو أننا بسبيلِ اكتشاف الدواء الذي يُعيد لون البشرة إلى الأبرص، فإننا نقول: إن ما نراه في زماننا هو سبق ابتكار، لا خرق اقتدار كما فعل عيسى بإذن من الله، لقد فعل عيسى عليه السلام ذلك بكلمة لا بإجراء عمليات جراحية ولا بتحضير أدوية وكيماويات.
والحق يسرّى عن عبده ورسوله عيسى عليه السلام بذكر هذه الآيات، لكن الكافرين من قوم عيسى عليه السلام قالوا: إنها سحر، إنّ المبلغ عن الله لا يخشى إلا الله، وهو يحبّ أن يؤمن معه كل الناس، إلا أنهم جحدوا بها وكفروا، وقالوا كما قص الله تعالى في القرآن الكريم: “فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ“. فالحق سبحانه وتعالى خلق الخلق، وجعل الإيمان أمراً فطرياً فيهم، ثم تأتي الغفلة فتبهت جزئية، وتأتي غفلةٌ ثانية فتبهت جزئية أخرى، وتأتي غفلة ثالثة فتصير إلى بهتان.
أحاديث عن رفع الأمانة والفتنة:
وفي الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله، قال: حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حدِيثَين، رأَيت أحَدَهما وأَنَا أنْتَظرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: أنَّ الأمَانَةَ نَزَلَت في جَذرِ قُلُوب الرِّجال، ثُمَ عَلِموا مِنَ القُرآن، ثُمَّ عَلِموا مِنَ السُنَّة وحَدَّثَنَا عن رَفعِهَا قالَ: يَنَام الرَّجل النَّومَةَ فَتُقبَض الأمَانَة مِن قَلبِه، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثل أثَرِ الوَكت، ثُمَّ يَنَامُ النَّومَةَ فَتُقبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أثَرُهَا مِثْلَ أثَرِ المجلِ، كَجَمرٍ دَحرَجْتَهُ علَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاه مُنْتَبِراً وليس فيه شيءٌ، ويُصْبِح النَّاسُ يَتَبَايَعُون، فلا يَكَادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَةَ، فيُقَالُ: إنَّ في بَنِي فُلَان رَجُلًا أمِينًا، ويُقَال لِلرجل: ما أعقَلَهُ وما أظرَفَهُ وما أجلَدَهُ، وما في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خرْدَلٍ مِن إيمَانٍ ولقَدْ أتَى عَلَيَّ زَمَانٌ، ولَا أُبَالِي أيُّكُمْ بَايَعتُ، لَئِنْ كانَ مُسلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإسلَامُ، وإنْ كان نَصرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وأَمَّا اليَومَ: فَما كُنْتُ أُبَايِعُ إلَّا فُلَانًا وفُلَانًا” رواه البخاري.