اقرأ في هذا المقال
- تمكين الله عزّ وجل ليوسف عليه السلام
- السبب في أن الملك مكن يوسف من الحكم واستأمنه على أشياء كثيرة
- يوسف عليه السلام يطلب الولاية
تمكين الله عزّ وجل ليوسف عليه السلام:
يقول الله تعالى: “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي” يوسف:54. فكأن الملك قال أئتوني به مرتين، مرةً حين رفض يوسف الخروج من السجن إلّا بعد أن تثبت براءته، والمرة الثانية عندما ظهرت براءة يوسف فذهب إلى الملك ولما التقيا قال له الملك: “إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ“يوسف:54. أقاله الملك بمجرد وصول يوسف إلى القصر؟ لا، لا بدّ أنه جلس وتحدث معه ووثق من علمه، ووثق من أمانته وحفظه، ولذلك يقول الحق: “فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ” يوسف:54. دليل على أن الملك اختبر يوسف مرة، وربما مرات ووثق في علمه وأمانته.
السبب في أن الملك مكن يوسف من الحكم واستأمنه على أشياء كثيرة:
إن السبب في ذلك أنه حفيظٌ وعليم، أي أنه حافظ على أعنف غريزة في الإنسان، وهي غريزة الجنس، وحافظ عليها وهو في عنفوان شبابه، فكأنه ليس مندفعاً، بل هو قوى يستطيع أن يكبح أعنف الغرائز، وكذلك فإن يوسف عليم؛ لأنه الوحيد الذي استطاع أن يُفسر للملك رؤياه، وهذا يقتضي علماً، كما أن الملك حين كلمهُ الله اكتشف فيه رجاحة العقل، والقدوة على الفكر السليم، وكل الصفاتِ المطلوبة في عزيز مصر، ولذلك فإن الملك قال سأستخلصهُ لنفسي، أي سأجعلهُ مقرباً مني، فلما كلمه واكتملت عنده الصورة الطيبة، قال له:” إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ” أي ممكن أي من أهل الثقة الذين لا يُطعن فيهم.
إذن فإن يوسف عليه السلام أصبح من أهل الثقة، لماذا؟؛ لأنه كسب ثقة الحاكم، وفي نفس الوقت كان يجب على الحاكم أن يتأكد من صلته بالمحكومين في أن يكون أميناً معهم، لا يُجابي أحداً على حساب أحد، وهذا ما زاد يوسف عليه السلام كفاءة في وظيفته. لذلك يتوجب على أهل الحكم ألا يُفضلوا أهل الثقة على أهل الخبرة الذين يعرفون الشيء معرفة دقيقة، حينما سمع يوسف هذا الكلام وعرف أنه حاز على ثقة الملك، قال: لو طلبت منه الآن شيئاً، لأعطانيه، وأنا سأطلب ما يتعلق بتفسير الرؤيا، سأطلب أن أكون على خزائن الأرض؛ لأنقذ الناس من المجاعة، وأحفظ لهم حياتهم، فقال: كما يقص علينا القرآن الكريم: “اجعَلنِي على خَزائنِ الأرض” فكان هذا الطلب تأكيداً لثقة يوسف في أن رؤياه ستتحقق في سبع سنين رخاءٍ، وسبع سنين جدّباً، وأنها محتاجة لحكمة وإدارة في سنين الخصب التي تضمنُ ألا يحدث إسراف في الاستهلاك وفي سنوا الشدّة تضمن أن كل محتاج إنساناً كان أو حيواناً، كل كائنٍ حي سيجدُ قوته وطعامه، وهذا يحتاج إلى علم يعطيك حكمة التصرف، وأمانةً تعطيك العدل بين الناس، وخبرةً تضع كل شيء في موضعه تماماً، لذلك طلب يوسف عليه السلام أن يكون على خزائن الأرض؛ لأنه حفيظٌ عليم.
يوسف عليه السلام يطلب الولاية:
لقد طلب يوسف عليه السلام الولاية، وطالبُ الولاية في الإسلام لا يولى، ولكن الظروف أدت إلى تولي يوسف عليه السلام، فلم تكن الظروف عادية بل كانت ظروفاً استثنائية، ولذلك في هذه الظروف، لا بدّ لمن له الحكمة أو الخبرة أن يعرض نفسه ويطلب أن يتولى الأمر. وقوله: “اجعلني على خزائنِ الأرض” أي بمعنى اجعلني أتولى الاقتصاد، وقوله: “إنّي حفيظٌ عليم” أي عندي من الخصال ما يتطلبهُ العمل. يقول تعالى: “وكذلِكَ مَكّنّا لِيُوسُفَ” يوسف:56. كيف مكنا ليوسف؟ أي أن الله تعالى علمهُ تأويل الأحاديث، ثم جعل الملكُ يرى رؤيا تُزعجه، لم يُفسرها إلّا يوسف، ومكنهُ بأمانته وحسنَ خُلقهِ، ومكنه بأنّ أبطل كيد إخوته الذين تآمروا عليهِ وألقوه في الجُبّ لِيُباع عبداً، ليس هذا فقط، بل إنّ يوسف ابتلى من كلذ من أحبوه، فابتلى من عمته التي تُحبه فاتهمتهُ بالسرقةِ كيداً، من أجل أن تبقيهِ معها، وابتلى بسبب حب أبيه له، فأخذهُ إخوتهُ وألقوهُ في الجُب، وابتلي بحب امرأة العزيز فدخل السجن، وحكاية عمته أنها كانت تحبهُ حباً شديداً وربته وهو صغير بعد موت أمه وأراد أبوه أن يأخذهُ منها، ولكنها لم تكن تصبر على فراقهِ، ففكرت كيف تبقي يوسف عندها، وكان هناك حزامٌ يتحزم به إبراهيم، اسمه “مِنطقة إبراهيم” والحزم كان عند عمة يوسف عليه السلام، وكان المبدأ أن من يسرق شيئاً يُعاقبُ بأن يُصبح عبداً لمن سرقه. وإن عمة يوسف عليه السلام ألبستهُ مِنطقة إبراهيم عليه السلام تحت ثوبه، وعندما جاءوا ليأخذوه قالت إنه سُرق.