لقدْ كانَ في حديثِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ كثيراً منَ الشّواهدِ الّتي تبيّنُ كثيراً منْ أحكام الحدودِ ، ولقدْ بيّنَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ حرمةَ قتلِ المسلمِ بعدَ النّطقِ بالشّهادتينِ حتّى ولو كانَ مقاتلاً لهمْ ثمّ نطقها بعدها، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث
يوردُ الإمامُ مسلمٌ يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدّثنا اللّيثُ ح وحدّثنا محمّدُ بنُ رمحٍ، واللّفظُ متقاربٌ، أخبرنا اللّيثُ، عنِ ابنِ شهابٍ، عنْ عطاءِ بنِ يزيدَ اللّيثيِّ، عنْ عبيدِ اللهِ بنِ عدِيِّ بنِ الخِيارِ، عنِ المقدادِ بنِ الأسودِ أنّهُ أخبرهُ أنّهُ قالَ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ لقيتُ رجلاً منَ الكفّارِ ، فقاتلني فضربَ إحدى يديَّ بالسّيفِ فقطعها، ثمَّ لاذَ منِّي بشجرةٍ، فقالَ أسلمتُ للهِ، أفأقْتُلهُ يا رسولَ اللهِ بعدَ أنْ قالها؟ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ: ” لا تقتله”. قالَ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنّه قدْ قطعَ يدي، ثمَّ قالَ ذلكَ بعدَ أنْ قطعها، أفأقتله؟ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ: “لا تقتله، فإنَّ قتْلتهُ، فإنّهُ بمنزلتكَ قبلَ أنْ تقتلهُ ، وإنَّكَ بمنزلتهِ قبلَ أنْ يقولَ كلمتهُ الّتي قال”)). رقمُ الحديث:155.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ يوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الإيمانِ، بابُ: (تحريمُ قتلِ الكافر بعدَ قولِ الشّهادة)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ المقدادُ بنُ الأسودِ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ المقدادُ بنُ عمرو بنِ ثعلبةَ القضاعيُّ، منْ صحابة النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامِ الرّواةِ للحديثِ، أمّا بقيّةُ رجالِ السّندِ:
- قتيبة بنُ سعيدٍ: وهوَ أبو رجاءٍ، قتيبةُ بنُ سعيدٍ الثّقفيُّ (148ـ240هـ)، وهوَ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ الثّقاتِ في رواية الحديث.
- محمّدُ بنُ رمحٍ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، محمّدُ بنُ رمحِ بنِ المهاجرِ التّجيبيّ (ت: 242هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ الرّوايةِ منْ تبعِ الأتباعِ.
- اللّيثُ: وهوَ أبو الحارثِ، اللّيثُ بنُ سعدٍ الفهميُّ (94ـ175هـ)، وهوَ منْ كبارِ الثّقاتِ المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- ابنُ شهابٍ: وهوَ أبو بكرٍ، محمّدُ بنُ مسلمٍ الزّهريّ والمعروفِ بابنِ شهابٍ الزّهريِّ (50ـ125هـ)، وهوَ منْ شيوخ المحدّثينَ الثّقاتِ منَ التابعين.
- عطاءُ بنُ يزيدَ: وهوَ أبو محمّدٍ، عطاءُ بنُ يزيدَ اللّيثيُّ الجندعيُّ (25ـ105هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقاتِ في رواية الحديث.
- عبيدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ: وهوَ عبيدُ اللهِ بنُ عديِّ بنِ الخِيارِ القرشيُّ (ت:95هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقات في رواية الحديث.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ النّبويُّ المذكورُ إلى حرمةِ قتلِ الكافرِ بعدَ أنْ أعلنَ إسلامهُ، وقدْ ذكر الحديثِ قصةً للسّائلِ الّذي سألَ النّبيَّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ عنْ كافرٍ قاتلهُ وقطعَ يدهُ ثمَّ احتمى بشجرةٍ وأعلنَ إسلامهُ فأرشدهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنّهُ لا يقتلُ ولو قالها خائفاً فما في سريرته لله تعالى، وفي هذا تحريمُ لقتلِ الكافر بعدَ نطقِ الشّهادتينِ حتّى ولو كانَ في ساحة المعركةِ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- الإسلامُ حصنُ لأهلهِ منَ القتلِ بغيرِ حقٍّ.
- حرمةُ قتلِ الكافر بعدَ إسلامه ولو كان قبلها مؤذياً قاتلاً.