لقدْ حرَّمَ اللهُ سبحانه وتعالى كثيراً منَ الكبائر لأثرها في المجتمعِ الإنْسانيُّ، ولما لها منْ عواقبَ كثيرَةِ في إفسادِ المُجْتمعاتِ، ونزعِ المحبَّةِ والألفَةِ بينَ أفرادِها، ومن هذه الكبائر الرِّبا، فالرِّبا يودي باستقرار المال في يد فئة منَ الناسِ وحرمان آخرى، فيستكبرُ الغنيُّ ويحسدُ الفقير، ولكنَّ لآكِلِ الرِّبا إثماً في الآخرّةِ ونصيباً منْ غضب الله، فتعالوا معنا في حديث عنْ آكلِ الرِّبا.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ يرْحَمُهُ اللهُ في الصَّحيحِ: ((حدَّثنا موسى بنُ إسْماعيلَ، حدَّثنا جريرُ بنُ حازمٍ، حدَّثنا أبو رجاءٍ، عنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ رضيَ اللهُ عنْهُ قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( رأيتُ الليلَةَ رَجُلينِ أتَياني فأخْرجاني إلى أرْضٍ مُقدَّسَةٍ، فانْطلقنا حتَّى أتينا على نَهْرٍ منْ دمٍ فيهِ رجلُ قائمٌ، وعلى وسطِ النَّهرِ رجلٌ بينَ يديهِ حجارَةٌ، فأقْبلَ الرَّجُلُ الّذي في النَّهرِ، فإذا أرادَ الرَّجُلُ أنْ يخْرجَ رمى الرَّجلَ بحجرٍ في فيهِ فردَّهُ حيثُ كانَ، فجعلَ كُلَّما جاءَ ليخرجَ رمى في فيهِ بحجرٍ فيرجعُ كما كانَ، فقلْتُ: ماهذا؟ فقالَ: الّذي رايْتَهُ في النَّهرِآكِلُ الرِّبا). رقمُ الحديثِ: 2085)).
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ يرويهِ الإمامُ محمّدُ بنُ إسْماعيلَ البخاريُّ في الصَّحيحِ، في كِتابِ البيوعِ، بابُ آكلِ الرِّبا، والحديثُ منْ طريقِ سَمُرَةَ بنِ جندُبٍ، وهوَ منَ الصَّحابَةِ الكرامِ رضيَ اللهُ عنهم، أما بقيَّةُ سندِ الحديثِ فرجاله هم:
- موسى بنُ إسماعيلَ: وهوَموسى بنُ إسماعيلَ المنقريُّ الحافظُ، منْ رواةِ الحديثِ منْ تبعِ أتْباعِ التَّابعينَ، وكانت وفاتُهُ في 223هـ .
- جرير بن حازم: وهو جريرُ بنُ حازمٍ الأزْديُّ العتْكيُّ، منْ رواةِ الحديثِ منْ أتْباعِ التابعينَ، من (85 ـ 170 هـ ).
- أبو رجاءٍ: وهو عمرانُ بنُ مِلحانَ، المعروفِ بأبي رجاءٍ العُطارديِّ، وهوَ منَ المُحدِّثينَ منْ زمنِ التَّابعينَ، وروي أنَّهُ أسلمَ في عهدَ النَّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ولكنَّهُ لمْ يرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فهومنَ المُخضرمينَ، وكانتْ وفاتُهُ في 105هـ .
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى رؤيا صادقةٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في آكلِ الرِّبا، ومنَ المعلومِ أنَّ رؤيا الأنْبياءِ حقٌّ، وفي الرّؤيا رجلينِ يسوقانِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى أرْضٍ مُبارَكَةٍ، وبعدّه لقيا رجُلاُ هو آكِلُ رباً، وقدْ كانَ بنهرٍ يٌغمَسُ فيهِ لما انغمَسَ بهِ منْ حرمَةِ أكلِ الرِّبا الّذي أخذ زيادَةً في المالِ المُقتَرَضِ، وكانَ آكِلُ الرِّبا كُلَّما أرادَ أنْ يخرَجَ منَ النَّهرِ يُلقى بالحجارَةِ من رجلٍ في حافَّةِ النَّهرِحتَّى لايخرَجَ ويرْجعَ إلى ما كانَ يعذّبُ به، وقدْ يكونُ مافيهِ لما تعدَّى بهِ على حرمةِ أموالِ النّضاسِ بالباطل، وهو مشهدٌ عظيمٌ لعاقبةِ آكلِ الرِّبا، فالرِّبا منَ الكبائرِ والمُهلِكاتِ الّتي تُهلِكُ صاحبَها في الدُّنيا وتُعرِّضَهُ لغضبِ اللهِ وسخطِهِ يومَ القيامَةِ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ العبرِ الّتي تستفادُ منَ الحديثِ:
- رؤيا الأنبياءِ حقٌّ وحقيقةُ وهي منَ الوحيِّ.
- حرمُةِ الرِّبا لِما لها منْ آثارٍ على الفردِ والمُجتمعِ.
- عقوبة آكل الرِّبا عظيمَةٌ.