مكافأة نهاية الخدمة هي ما يلتزم به صاحب العمل للعامل من حقوق مالية، بأمر من ولي الأمر، بعد انتهاء مدّة الخدمة المتّفق عليها في عقد العمل، وتتحدّد قيمة هذه المكافأة تبعاً للسبب الذي دعا لإنهاء الخدمة، والمدّة التي قضاها العامل في الخدمة، وبما أنّ مكافأة نهاية الخدمة عبارة عن مردود مالي يتملّكه العامل، فما حكم الزكاة في هذا المال؟
تكييف مكافأة نهاية الخدمة:
لا بدّ من التعرف على تكييف مكافأة نهاية الخدمة، لمعرفة حكم إخراج الزكاة منها. كما اختلف العلماء الباحثون في تكييف مكافأة نهاية الخدمة، وذُكرت عدة أقوال في هذا الموضوع، وهي:
القول الأول:
اعتبار مكافأة نهاية الخدمة أجرة مؤجّلة، بدليل أنّ صاحب العمل يكون على علم بما سيدفعه من مال للعامل في نهاية خدمته، خلال إنشاء عقد العمل، وتُعتبر جزءاً مؤخّراً من أجرة العامل، ويتم تحديد مقدار الأجر الذي سيتقاضاه العامل بناءً على المقدار المتّفق عليه للمكافأة. لكن في الأصل لا يُمكن معرفة قيمة المكافأة، لأنّها تتحدّد على أساس سبب إنهاء الخدمة، ومدّتها، ومقدار الأجر الذي كان يتقاضاه العامل خلال مدّة الخدمة، وضمن شروط لا تتحقق إلّا بعد نهاية الخدمة.
القول الثاني:
إنّ مكافأة نهاية الخدمة هي تأمين يحصل عليه العامل، بعد انتهاء خدمته في العمل، لتأمينه مما يتعرّض له من مخاطر بسبب إنهاء خدمته. بدليل أنّ العامل بعد إنهاء خدمته يحصل على مكافأة، تقوم على توفير جميع ميّزات التأمين للعامل. وللردّ على ذلك نجد أنّ مضمون التأمين يختلف عمّا تتضمنه مكافأة نهاية الخدمة؛ لأنّ التأمين عبارة عن عقد بين طرفين يقوم فيه المؤمّن بتعويض المؤمَّن له إذا تعرّض لخطر محتمل، مقابل دفع مبلغ من المال من قِبل المؤمَّن له للمؤمّن، وهذا يتعارض مع مضمون مكافأة نهاية الخدمة.
القول الثالث:
مكافأة نهاية الخدمة هي التزام صاحب العمل، بالتبرّع للعامل بمبلغ من المال بعد إنهاء الخدمة، إلّا أنّ هذا الرأي قد يؤدّي إلى ضياع حقوق العامل، إذا امتنع صاحب العمل عن دفع المال للعامل، بحجة تراجعه عمّا تبرّع به.
القول الرابع:
مكافأة نهاية الخدمة هي من الحقوق التي أوجبتها الدولة لصالح العامل، وهذا من الصلاحيات التي تُمنح لولي الأمر، حيث يحق له تحديد بعض الحقوق والواجبات التي تتعلّق بمصالح الأفراد، وبما أنّ العامل هو الطرف الأضعف، فلا بدّ من التدخّل من قِبل الدولة أو ولي الأمر في حفظ حقوقه وتوثيقها، لضمان حصوله عليها.
وبناءً على ما سبق فإنّ الرأي الرابع هو الرأي الراجح، والذي اعتمده أغلب الباحثين في هذه الأيام، استناداً لمقاصد الشريعة الإسلامية في حماية الأفراد، وحفظ حقوقهم.
حكم الزكاة في مكافأة نهاية الخدمة:
لقد تمّ تحديد وقت استحقاق مال مكافأة نهاية الخدمة، بانتهاء خدمة العامل في العمل، فالعامل لا يقدر على تملّك هذا المال أو التصرّف به إلّا بعد إنهاء خدمته، وأنّه لا حقّ له باستحقاقه خلال وجوده على رأس عمله، ويستحق العامل المكافأة بتحقق شروط محددة تمّ الاتّفاق عليها خلال العقد.
وعليه فلا زكاة في مكافأة نهاية الخدمة إلّا بعد استحقاقها، لأنّ المُلك التام لا يتحقق للعامل إلّا بعد إنهاء الخدمة، و يتحقق الملك بقبض المال المستحَق، وليس بالإقرار باستحقاقه.
وبعد ثبوت وجوب الزكاة في مكافأة نهاية الخدمة، اختلف الفقهاء في كيفية إخراجها، فمنهم مَن قال بوجوب جمع مال المكافأة مع المال الموجود لدى العامل إن وُجد، وإخراج زكاة الجميع مع مرور الحول على الأصل. ومنهم مَن قال بعدم وجوب إخراج زكاة مكافأة نهاية الخدمة، إلّا بعد مرور الحول عليها، من فترة قبض المال.
ورجّح الفقهاء المعاصرون وجوب مرور الحول على مال مكافأة نهاية الخدمة، ولا يتم ضمّه إلى المال الذي لدى العامل، بل يحسب حولاً جديداً للمال المستحق من وقت قبضه، استناداً لقول الرسول _عليه الصلاة والسلام_: “لا زكاة في مالٍ حتّى يحولَ عليه الحولُ” سنن ابن ماجه.
وأنّ مكافأة نهاية الخدمة تُعتبر مال مستفاد، وليس من ناتج المال الذي عند العامل، حيث جاء من باب مستقل عن المال الذي لديه، واستحقه بشروط خاصة لا تتعلّق بما عنده من مال، فيجب إخراج زكاته بشكل مستقلّ، حيث يجب أن يبلغ نصابه ويحول عليه الحول، حتى تُفرض فيه الزكاة.