لقد كانت في سير الصحابة رضوان الله عليهم بطولات تخلد في التاريخ من مواقف وتحمل للأذى وأيضاً القتال للوصول إلى الشهادة في سبيل الله، وكان النبي ومن معه من الصحابة يتحملون تلك المواقف في سبيل نشر الدين الإسلامي، ومن تلك المواقف حادثة سرية الرجيع.
غزوة الرجيع
الرجيع هي مورد ماء، يقع ذلك المورد في شمال مكة بين مكة وعسفان، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عشرة رجال حتى تكون عيوناً على قريش مع رهط عضل الذين قدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون من النبي أن يفقههم في الدين الإسلامي، وأمَّر عليهم الصحابي الجليل عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وعندها ساروا حتى وصلوا إلى منطقة الرجيع ( وهي منطقة بين مكة وعسفان)،
وعندما وصلوا إلى تلك المنطقة غدر الرّهط بهم وذكروهم لبني لحيان، فتبعهم فيما يقرب من مئتين من جنود الرُّماة، وتبعوا آثارهم حتى قربوا منهم وأحاطوا بهم، فلمّا علم بهم رجال السرية استقروا على جبل، فقال لهم الأعداء أن انزلوا ولكم عهدٌ منّا ألّا نقتل أحد منكم فنزل إليهم ثلاثة من الرجال قد اغتروا بما عهدوا لهم، وقاتلهم الباقون ومعهم عاصم بن ثابت الذي رفض النزول في ذمّة كافر.
ولمّا علم الرجال الثلاثة الذين نزلوا بغدر الكفار امتنع أحد الرجال حتى قتلوه، وأمّا الرجلين فباعوهم في مكّة لمن كان له ثأر عند المسلمين، وقد قُتل الرجلين بمكة. وقد قال أحد الرجال الذين قتلوا واسمه حبيب بن عدي حين أراد الكفار أن يقتلوه:
ولست أبالى حين أُقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعى
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزَّع
وبعد ذلك القول قام عقبة بن الحارث إليه فقتله، وأرسلت قريشٌ بعضاً من الرجال إلى عاصم بن ثابت ليبحثوا عنه حتى يأتوا بشيءٍ من جسده، وكان عاصم بن ثابت قد قتل أحد قادات وسادات قريش يوم غزوة بدر الكبرى، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أرسل عليه مثل الظلة من الدبر، فحمته من رجالهم، فلم يقدروا منه على شيء، فكانت هذه قصة غزوة الرجيع والتي تبين فيها غدر الكفار من رهط لسرية عاصم بن ثابت.