اقرأ في هذا المقال
- تعريف صلاة الخوف
- الأصل في مشروعية صلاة الخوف
- أنواع صلاة الخوف
- صلاة الخوف حال القتال والتحام الحرب
- اختلاف العلماء في صلاة الخوف عند اشتداد الحرب
تعريف صلاة الخوف
الصلاة: لغة هي الدُّعاء.
والصلاة اصطلاحاً: هي عبادة الله ذات أقوال وأفعال معلومة مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم.
وسميت صلاةً لاشتمالها على: دعاء العبادة، ودعاء المسألة .
والخوف لغة: الفزعُ والذُّعر .
والخوف اصطلاحاً: هو اضطراب النَّفس؛ لتوقُّع نزول مكروه، أو فوات محبوب، ومنه إخافة السبيل .
قال الإمام الحافظ المعروف بابن الملقن رحمه الله:( والخوف غمٌّ على ماسيكون، والحزن غمٌّ على ما مضى) .
الأصل في مشروعية صلاة الخوف
ورد مشروعية صلاة الخوف في الكتاب والسنة والإجماع .
أولاً في الكتاب: فقال الله تعالى((وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)) “النساء 102” .
ثانياً وأما في السنة: فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم – صلى بأصحابه صلاة الخوف
مراتٍ متعدِّدة على صفاتٍ متنوِّعة .
ثالثاً: وأما في الإجماع: فقد أجمع الصحابة على فعلها، فكان الصحابة في الخوف يصلُّون، وجاء ذلك :
عن علي رضي الله عنه ليلة صِفّين، وجاء عن أبي هريرة، وأبي موسى الأشعري، وعن سعيد بن العاص،
وحذيفة رضي الله عنه_ ولا ينظر إلى الأقوال الشَّاذة التي تخالف ذلك .
هناك قول يقول: إنَّ صلاة الخوف مختصَّة بالنبي صلى الله عليه وسلم_ وبمن صلَّى معه وذهبت بوفاته، وهذا يذكر
عن أبي يوسف، وقوله لا حجَّة فيه، لأنَّ الله أمر باتباع النبي صلَّى الله عليه وسلم والتأسِّي به ويلزمنا ذلك مطلقاً حتى يدل الدليل على الخصوص، ولأنَّ االنبي صلى الله عليه وسلم_ قال:( صلُّوا كما رأيتموني أُصلي) ” رواه البخاري” .
أنواع صلاة الخوف
جاء في صلاة الخوف في أحاديث كثيرة، وأشكال متباينة، والصواب أن كل صفة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم
جائزة حسب مواطنها، يتحرّى المسلمون فيها ما هو أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى، ومن هذه الأنواع الثَّابتة في الأحاديث الصفات الآتية:
- النوع الاول: ما يوافق ظاهر القرآن: والدليل: يقسِّم الأمير أو القائد من معه إلى طائفتين:
الأولى: طائفة وجاه العدو؛ لئلا يهجم، والطائفة الثانية، تصلِّي معه، فيصلّي بهذه الطّائفة ركعة، فإذا قام إلى الركعة الثانية نووا الإنفراد وأتمُّوا لأنفسهم ركعة الإمام واقف، وسلِّموا قبل ركوعه، ثمَّ ذهبوا إلى الطائفة التي كانت تحرس وجاه العدو إلى الإمام فتجده ينتظرها واقفاً في الرَّكعة الثانية فتدخل معه فيها وتصلِّي معه هذه الركعة، فإذا جلس للتشهُّد قامت فقضت ركعة والإمام ينتظرها في التشهُّد، فإذا تشهَّدت سلَّم بهم؛ لحديث صالح بن خوّات، عمن صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم_ يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، يعني أنّ طائفة صفَّت معه، وطائفة وجاه العدو فصلَّى بالذين معه ركعةً، ثمَّ ثبت قائماً وأتمُّوا لأنفسهم، ثمَّ انصرفوا وصفُّوا وجاه العدو، فجاءت الطائفة الأخرى فصلَّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثمَّ ثبت جالساً وأتمُّوا لأنفسهم،
ثمَّ سلَّم بهم .
وهذا أيسر الأنواع الذي تكلَّم عنه الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله .
وهذا النوع اختاره الإمام أحمد ابن حنبل، لموافقته ظاهر القرآن، وأقرَّ جميع الأنواع الأخرى،
وأنّ كل حديث صحَّ في صلاة الخوف يجوز العمل به . - إذا كان العدو في جهة القبلة ولا يخفى بعضهم على المسلمين صفَّ إمام المسلمين خلفه صفَّين، فيكبر ويكبِّروا جميعاً، ثمَّ يركع فيركعوا جميعاً، ثمَّ يرفع من الركوع ويرفعوا جميعاً معه، ثمَّ ينحدر فيسجد ويسجد معه الصف الأول الذي يليه، والصفُّ الثاني قائماً يحرس مواجهة العدو، فإذا صلّى بالصفِّ الأول سجدتين وقام إلى الركعة الثانية، سجد الصف الثاني الذي كان يحرس سجدتين، ثمَّ قاموا فتقدَّموا إلى مكان الصَّف الأول، وتأخَّر الصف الأول مكانهم، ثمَّ يركع الإمام ويركعوا معه جميعاً، ثم يرفع الإمام ويرفعوا معه جميعاً
ثم يسجد ويسجد معه الصف الأول الذي كان في الركعة الأولى هو الثاني، فإذا سجد سجدتين وجلس للتشهد
سجد الصف الثاني ولحقوه في التشهد، وتشهدوا جميعاً، ثم سلم بهم جميعاً . - يقسم الإمام أصحابه إلى طائفتين: فرقة تجاه العدو، وفرقة تصلّي معه، فيصلي بإحدى الطائفتين ركعة ثمَّ تنصرَّف قبل أن تسلِّم وهي في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى، ثمَّ تأتي الفرقة الأخرى إلى مكان هذه خلف الإمام فتصلِّي معه الرَّكعة الثانية، ثمَّ يسلِّم وحده، وتقضي كل طائفة ركعة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوازينا العدوَّ “أي قابلناهم” فصاففناهم، فقام النبي عليه الصلاة والسلام يصلّي لنا، فقامت طائفة معه وأقبلت طائفةٌ على العدو، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معهُ وسجدَ سجدتين، ثمَّ انصرفوا مكان الطائفة التي لم تُصلِّ، فجاؤوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعةً وسجد بهم سجدتين، ثمَّ سلّم، فقام كلُ واحدٍ منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين ) .
وفي لفظ مسلم قال:” ثم سلّم النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة “. - أمَّا النوع الرابع: هو أنْ يصلّي الإمام بكل طائفةٍ صلاة منفردة : أي يصلي بالطائفة الأولى ركعتين ثمَّ يسلّم بها، ثمَّ تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم ركعتين ثمَّ يسلم بها؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
” أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفةٍ من أصحابه ركعتين، ثمَّ سلّم، ثمَّ صلّى بآخرين أيضاً ركعتين، ثم َّسلّم “.
وحديث أبي بكرة رضي الله عنه، قال: ” صلّى النبي في خوف الظُّهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو، فصلّى بهم ركعتين ثمَّ سلّم، فانطلق الذين صلّوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثمَّ جاء أولئك فصلّوا خلفه، فصلّى بهم ركعتين، ثم سلّم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً، ولأصحابه ركعتين ” .
وبذلك كان يفتي الحسن، قال أبو داود في المغرب؛ يكون للإمام ستُّ ركعات، وللقوم ثلاثٌ ثلاث . - النَّوع الخامس: يصلّي الإمام بإحدى الطائفتين ركعة ثمَّ تذهب ولا تقضي شيئاً، ثمَّ تأتي الطائفة الأخرى فتصفُّ خلفه ويصلّي بهم ركعة ثمَّ يسلِّم ولا تقضي شيئاً؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:
” صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذي قرد: (أي انها أرض من أرضِ بني سُليم)، فصلّى الناس خلفه صَفّين: صفّاً يوازي العدو، وصفّاً خلفهُ، فصلّى بالصّف الذي يليه ركعةً، ثمَّ نهض هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلّى بهم ركعةً أخرى ” .
صلاة الخوف حال القتال والتحام الحرب
قال الله تعالى (( (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) ( البقرة 283 : 239 ) .
هذه الآية تعني صلّوا على أيِّ حال كان : رجالاً أو ركباناً، يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها .
اختلاف العلماء في صلاة الخوف عند اشتداد الحرب
- قال جمهور العلماء: لا تؤخِّر الصلاة عند اشتداد الحرب والتحام القوم بعضهم ببعض، بل يصلُّون على حسب أحوالهم على أيِّ صفةٍ كانوا ولو ركعة واحدة إيماءً سواء كانوا مستقبلين القبلة أو مستدبرين، وسواء كانوا رجلاً على الأقدام أو ركباً على الخيل والإبل وغير ذلك، فقالوا تكون الصَّلاة على ما ورد به القرآن ووردت به الأحاديث، وأنّ الصلاة لا تؤخِّر، أمَّا تأخير الصلاة يوم الخندق؛ فلأنَّ صلاة الخوف لم تشرع بعد.
2. ذهب قوم من أهل العلم إلى أنّ صلاة الخوف في اشتداد القتال يجوز تأخيرها إلى الفراغ في التحام القتال إذا لم يستطع المجاهدون أنّ يعقلوا صلاتهم، وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله وغيره، واختاره الأوزاعي، وهو الذي عمل به الصَّحابة رضي الله عنهم في زمن عمر بن الخطاب في فتح تستر،” وتستر هي بلد معروف من بلاد الاهوز، وذكر خليفة أنّ فتحها كان في سنة عشرين في خلافة عمر رضي الله عنه “.
فقد اشتهر ولم ينكر عليهم تأخير صلاة الفجر إلى أنّ اسستم الفتح ضحى فصلوها بعد ارتفاع الشمس .
3. ورجح شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله أنَّه يجوز تأخير الصَّلاة في حال المسايفة إلى أنْ يتمكن من فعلها، فسمعتهُ يقول: ” والصَّواب أنّ غزوة ذات الرقاع قبل الأحزاب، وأنَّه إذا اشتدَّ الخوف آخر الصلاة كما فعل الصَّحابة يوم تستر، أخَّروا صلاة الفجر إلى الضُّحى لشدَّة الحرب ” .