ضمانات استقرار الأسرة

اقرأ في هذا المقال


الأسرة:

الأسرة: هي القاعدة الأساسيه والأولى في بناء المجتمع، والركيزة الأساسية التي يقوم عليها صَرحُه المتين، وعلى مدى قوّتها وتماسكها المستمدّين من عقيدة الأمة الراسخة، والمستوحيين من هدي تعليم السماء الراشد، تتوقّف البنية الاجتماعية في سلامتها، وقدرتها على الاستقرار والعطاء والصمود.

والأسرةُ تستقر وتطمئن بما يُخيّم على علاقة الزوجين فيها من سكنٍ وتفاهم، وبما يحكم علاقة الأصول والفروع
من ودٍّ وتراحمٍ وتكافل، وبما تقدمه الحياة من ثمرات صالحة خيّرة، إذا أحسن تعهّدها وتربيتها على المبادئ الإيمانية والقيم الأخلاقية، وهي المسؤولة الأولى عن صلاح الأمة، وقدرتها على حملِ رسالة الحق إلى الإنسانية.

أهمية استقرار الأسرة:

  1. إنّ الأسرة هي المَحضنُ الطبيعي الذي يتولّى حماية الفراغ الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظله تتلقّى مشاعر الحب والرحمة والتكافل، وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هديه ونوره تُفتح وتفسر وتعاملٍ مع الحياة.
  2. معرفة كلًا من الزوج والزوجة لحقوق الآخر، باعتبار أن ذلك يؤدّي إلى حفظ حقوق الزوجين التي حرص الإسلام على صيانتها، فكل حق في الأسرة يقابله واجب، قال عز وجل:”وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بالْمَعْرُوفِ” البقرة:228، وبذلك تمتنع الخصومة.
    فالعلاقةُ الزوجية القائمة على الصراع والكراهية، لا تنتج سوى صور الإنحراف المغذية لمآسي المجتمع، بينما الحياة الزوجية الهادئة القائمة على مبادئ القرآن وأسس الشريعة تُنتج أجيال الحكمة والقوة التي تَبني المجتمع وتعمل على استقراره.
  3. إن ترسيخ عوامل استقرار الأسرة في المجتمع الإسلامي، يؤدي إلى نهضة الأمم وبناء الحضارات، وإنّ المجتمع الذي لا يولي الأسرة اهتماماً لا يمكن له أن يتقدّم أو أن يحقق حضارة.
    فالذي خلق هذا الإنسان جعل من فطرتِهِ الزوجيةَ، شأنه شأن كل شيء خلقه في هذا الوجود:”وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” الذاريات:49. وأراد بذلك إلتقاء شطري النفس الواحدة، فيما أراد، أن يكون هذا اللقاء سكنًا للنفس، وهدوءاً للأعصاب، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد، ثم ستراً وإحصاناً وصيانة، ثم ضرورة النسل وامتداد الحياة، مع ترقيها المستمر، في رعاية المَحْضَن الساكن الهادئ المطمئن المستور المصون: “وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” الروم:21.

ما هي العوامل التي تساعد على استقرار الأسرة:

  1. التعاون على أداء الواجبات: إن الأصل في الرابطة الزوجية هو الاستقرار والاستمرار، والإسلام يحيط هذه الرابطة بكل الضمانات التي تكفل استقرارها واستمرارها، وفي سبيل هذه الغاية يرفعها إلى مرتبة الطاعات، ويساعد على قيامها بمال الدولة للفقراء والفقيرات، ويفرض الآداب التي تمنع التبرّج والفتنة، كي تستقر العواطف ولا تتلفّت القلوب على هتاف الفتنة المتبرجة في الأسواق. كما يُفرَض حدّ الزنا وحدّ القذف ويجـعل للبيوت حُرمَتها من خلال الاستئذان عليها والاستئذان بين أهلها وفي داخلها.
    ولكل من الزوج والزوجة دور ومسؤولية في أداء الأُسرة ورسالتها، وإنّ من مُقتَضيات العشرة بالمـعروف هو تعاون الزوج والزوجة في أداء هذه المسؤوليات، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله، وكذلك الصحابة، وهذا لم يكن ينقص من قيمته أن يعين زوجته في بعض أعمال النساء، فعن عائشة رضي الله عنها لما سئلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت:“كان بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه”.
  2. حُسن العشرة: العلاقة الزوجية علاقة دائمة ومستمرة ومعاشرة يومية، وحالة الاحتكاك والنزاع طارئة لا محالة؛ لذلك كان لا بد لهذه العلاقة من غلاف إحساني، حتى لا يتحوّل الأمر إلى مشاحنة ومنازعة حول الحقوق الزوجية؛ بل ينتقل التعامل بين الزوجين على أساس مبدأ الإحسان إلى الحرص على إكرام الطرف الآخر، بغض النظر عن وفائه لما عليه أو تقصيره، فيتبادلان العفو والتجاوز والصفح عند التقصير، والشكر والتقدير والتنويه عن كل لحظة وفاء مهما كانت بسيطة.
    يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم:”إن الكلمة الطيبة أغلى عند الزوجة في كثير من الأحيان من الحُلي الثمينة، والثوب الفاخر الجديد؛ وذلك لأن العاطفة المحببة التي تبثُّها الكلمة الطيبة غذاء الروح، فكما أنه لا حياة للبدنِ بلا طعام، فكذلك لا حياة للروح بلا كلام حلو لطيف”عودة الحجاب.
  3. العفة وإشباعُ الرغبة: يجب على الزوج أن يؤدي حق زوجته في العفاف والإشباع الجنسي، فيَحرم على الرجل أن يهجر فراش زوجته لغير عذر شرعي، كما أنه لا يهجر زوجته بحجة انشغاله بالعبادات وطلب العلم؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتُّل وترك مجامعة النساء.
    فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “كنت أصوم الدهر، وأقرأ القرآن كل ليلة، فإما ذُكِرْتُ للنبي صلى الله عليه وسلم وإما أرسَل إليّ، فأتيته، فقال لي:”ألم أُخبَر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كل ليلة” فقلت: بلى يا نبي الله، ولم أُرِد بذلك إلا الخير، قال:”فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام” قلت: يا نبي الله، إني أُطيق أفضل من ذلك، قال:”فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزورك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا“، قال:”فصم صوم داود نبي الله؛ فإنه كان أعبد الناس“، قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟، قال:”كان يصوم يومًا ويفطر يومًا“، قال:”واقرأ القرآن في كل شهر“، قلت: يا نبي الله، إني أُطِيق أفضل من ذلك، قال: “فاقرأه في كل عشرين“، قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:”فاقرأه في كل عشر“، قلت: يا نبي الله، إني أُطِيق أفضل من ذلك، قال:”فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك؛ فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزَوْرك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا“، فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:”إنك لا تدري لعلك يطول بك عُمر“،أخرجه مسبلم.
  4. التشاور بين الزوجين: من عوامل استقرار الأسرة واستمرارها التشاور بين الزوجين في أمر العائلة، والشورى منهج حياة في ديننا الإسلامي، والأمر بها ورد كهيئة وصِفَة من الصفات المميزة للمسلمين، قال سبحانه وتعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم} [الشورى:38].
    إن أولى الناس بالمشاورة هم الأشخاص المنوّط بهم تحمّل المسؤولية في البيت، وهم الزوجين، وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الكثير من المواقف العملية حول مشاورته لأزواجه لنا فيها الكثير من العبر والدوس.
    وفي قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة زوجته أم سلمة تكريم للمرأة، التي يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام لم يعطها حقها وتجاهل وجودها، وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من أن تشير على نبي مرسل، ويعمل النبي صلى الله عليه وسلم بمشورتها لحل مشكلة واجهته في حياته.
  5. استحضار المعنى التعبدي للزواج: لقد بلغ تقدير الشرع لرابطة الزواج أن عدّها ضمنُ القربات التي يتقرّب بها إلى الله عز وجل، وألغى بذلك كل الأفكار والنظريات التي تختزل الزواج في جانب الإشباع الغريزي أو الإنجاب لا صلة له بالآخرة.
    فالمعاشرة بالمعروف بين الزوجين، ليست مسألة اختيارية أو مزاجية؛ وإنما الأمر دين وأمر شرعي، يعد الإخلال به مخالفة شرعية ومنقصة في مروءة المرء وإيمانه، كما أن القيام بهذا الأمر يزيد من إيمان المرء، ومن قربه من الحق سبحانه.
    فالزواج قربة إلى الله لما يحمله من أهداف خيرة، ومعانِ سامية، ومقاصد معتبرة، كما في حديث عبد الله بن مسعود أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشّباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاءٌ“.
  6. التوسط والاعتدال واستعمال الرفق من قِبَل الزوجين: فإن الرفق ما صاحب شيئاً إلا زانه، وما نُزِع من شيء إلا شانه، وإن الله يُعطي على الرفق ما لا يُعطي على سواه، ومن ذلك تحمّل أي من الزوجين ما يقع من هنات أو تقصير من قبل الطرف الآخر، ومعالجة ذلك بحكمة وبصيرة وبعد نظر، دون إفراط أو تفريط، والبعد عن التلاوم، والإفراط في العتاب، فهو أقوى مُذهِب للمودة.
  7. المبادرة إلى حل الخلافات الزوجية: تشهد جميع العائلات حالات الخلاف والنزاع والشجار على درجات مختلفة، وليكن في علم كل الناس أنه ليست هنالك مشكلة يتعذر حلها، فأية مشكلة يمكن بالطبع حلها فيما لو صدقت نوايا الزوجين في تحقيق ذلك، وقد وضع الإسلام الأسس السليمة لمعالجة الخلافات الزوجية في أطوارها الأولى أو عند نشأتها قبل أن تستفحل، ومنها الموعظة الحسنة ثم الهجر في المضجع، وأخيرًا الضرب، في حالة إذا كانت المشكلة صادرة من الزوجة.

شارك المقالة: