وجوب كفارة الصيام:
بعد التحدث عن الوقاعِ في نهار رمضان عامداً موجباً للكفارةِ مع أن الوِقاع يشترك فيه طرفان هما الزوج والزوجة أو الواطئ والموطوءةِ بصفةٍ عامة كان لِزاماً علينا أن نعرف: على من تجب الكفارة؟ بمعنى من الذي يقوم بإخراجها هل هو الواطئ وحده، أو هما معاً؟ أو على كل منهما كفارةً مستقلة. وقد ورد في ذلك خلاف بين الفقهاء نكره فيما يلي:
- اتفق الفقهاء جميعاً على أن الزوجة أن كانت مكرهة على الوقاع أو كانت نائمة أو مفطرة بسبب آخر غير الوقاع فواقعها زوجها في نهار رمضان عمداً فلا كفارة عليها، وأن كانت الكفارة على الزوج.
- اختلف الفقهاء فيما إذا واقع الزوج زوجته عامداً في نهار رمضان وكانت صائمة ومكنته من نفسها عن طواعية واختيار كما يلي:
– فعند الحنفية والمالكية ورواية للحنابلة أنه تجب عليها الكفارة كالزواج وبه قال المتولي من الشافعية.
– للشافعية ورواية للحنابلة: أن الزوجة لا كفار عليها بل الكفارة على الزوج وحده.
– قول للشافعية: أنها كفارةً واحدة عن كل من الزوج والزوجة، أيّ على كل منهما نصفها وإنَّ كان الزوج هو الذي يتحملها وهذا قول المحاملي. وبعد بين محل فيما يلي: الخلاف نذكر سبب الخلاف. إنَّ سبب الخلاف هو معارضة ظاهر الحديث الوارد عن أبي هريرة، وهو قول الأعرابي للنبي عليه الصلاة والسلام”هلكتُ وأهلكت” فلما أخبر بالوقاعِ قال: هل تجد ما تعتق به رقبة، فظاهرهُ يفيد أن المأمور بالتكفير هو الزوج وحده، وهذا يتعارض مع القياس؛ لأن القياس أن تجب على الزوجة كفارة لا سيما إذا كانت صائمة وطائعة مختارةً. فقد اشتركت في السبب؛ لأن فعلها كفعلهِ فمن أعمل القياس أوجب عليها كفارة ومن أهمل القياس ووقف عند ظاهر الخبر لم يوجب عليها كفارة وجعلها مقتصرة على الزوج وحده.
وأدلة المسألة المتفق فيها:
واستدل الفقهاء على ما اتفقوا عليه بأن الإكراه سبب لانعدام الإرادة والناسي مرفوع عنه الإثم بالحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. وأما إذا كانت الزوجة مفطرة فإن الوطء لا يترتب عليه تغيير الحال بالنسبة لها إذ أنها مفطرة قبله.
أدلة المسألة المختلف فيها:
– أدلة القول الأول: وهو القول بإيجاب الكفارة على الزوجة كما وجبت على الزوج. وهو ما ورد من حديث الأعرابي إلى المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عندما جاء أعرابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: له هلكت وأهلكت، فقال: ماذا صنعت قال واقعتُ امرأتي في نهار رمضان متعمداً، وأنا صائم فقال: أعتق رقبة وفي بعض الروايات قال له من غير عذر ولا سفر قال نعم، فقال: أعتق رقبة. وقياس إفساد الصوم الموجب للكفارة على فعل الزنا الموجب للحدّ بجامع أن كلاً منهما فعلٌ محسوس يستوجب الإثم ويترتب عليه الحد في الزنا والكفارة في إفساد الصوم.
ووجه الدلالة في هذا القول: إنَّ النص ورد في إيجاب الكفارة على الرجل، لكنه معلول بمعنى يوجد فيهما، وهو إفساد صوم رمضان بإفطار كامل حرام محض متعمداً، فتجب الكفارة عليها بدلالة النص وبه تبين أنه لا سبيل إلى التحمل؛ لأن الكفارة وجبت عليها بفعلها وهو إفساد الصوم.
– أدلة القول الثاني: وهو الذي يرى أن الكفارة على الزوج وحده. وهو خبر الأعرابي المتقدم حيث أن دل على إيجاب الكفارة على الزوج فقط دون أن يتعرّض لإيجابِها على الزوجة حيث قال: أعتق رقبة، فكان الخطاب للزوج خاصة مع الحاجة إلى البيان ولكنه لم يًبين فدل على أنها لا تجب على الزوجة.
ولأن صوم الزوجة ناقص، وذلك لتعرضه للبطلان بسبب طروء الحيض ونحوه، فلم تُكمل حرمة الصوم حتى تتعلق بها الكفارة فتختصُ بالرجل الواطئ.
ولأن الكفارة غرمٌ مالي يتعلق بالجماع كالمهر فلا يجب على الموطوءةِ ولا على الرجل الموطوء كما نقله ابن الرفعة. وما نقل عن الإمام أحمد أنه سئل من أتى أهله في رمضان أعَليها كفارة؟ قال ما سمعنا على امرأةٍ كفارة. واستدل أصحاب القول الثالث الذي يرى أن عليها كفارة واحدة وإنَّ كان الزوج يتحملها كلَّها. ووجه الدلالة: أنها تشاركه في السبب استوجبت الإثم عليهما والكفارة دارثة للإثم، فلا بدّ أن عليهما لدرء إثمهما المترتب على فعلهما وإنَّ كان تحمل الزوج لها ترتب على أنه هو السبب الحقيقي في هذا الفعل المفسد للصوم.