قصة التابعي طاووس بن كيسان الذي لا يخش الأمراء

اقرأ في هذا المقال


ذكرت الكتب والسير قصة الصحابي الذي لا يخشَ أيُّ أميرٍ كان، وفي هذا المقال سوف نتناول قصة هذا التابعي الجليل وهي على النحو الآتي:

ما هي قصة التابعي طاووس بن كيسان الذي لا يخش الأمراء

ما كاد الخليفة سليمان بن عبدالملك أن يلقي رحاله في أحضان البيت الحرام “البيت العتيق”، بغية إجراء مناسك الحج، إلى جانب أشواقه إلى الكعبة المشرَّفة، إلى أن التفت حينها إلى حاجبه وكان يقول: “ابتغ لنا عالِماً يُفقهنا في الدين ويُذكرنا في هذا اليوم الأغر، من أيام الله عزَّ وجلّ”، وحينها قد مضى الحاجب إلى وجوه أهل الموسم، وكان آنذاك يسألهم عن بغية أمير المؤمنين، فرُدَّ عليه وقيل له: “هذا طاووس بن كيسان سيد فقهاء عصره، أصدَّقهم لهجة في الدعوة إلى الله، فعليك به”.

فأتى الحاجب مُقبلاً على الطاووس بن كيسان وحينها قال له بمعنى كلامه: أجب يا أيُّها الشيخ دعوة أمير المؤمنين”، ومن غير إبطاء قد استجاب طاووس بن كيسان له.

حيث أنَّه آنذاك كان يؤمن هذا التابعي الجليل بأنَّه على الدعاة إلى الله تعالى بأن لا تعرض عليهم فرصة إلّا وقاموا باستغلالها واغتنامها، كما وأنَّه كان يوقن أنَّ كلمة الحق هي أفضل كلمة يمكن النطق بها، كما وبها يتم تصليح الاعوجاج وكذلك تجنيب ذوي السلطان الجور والحيف إلى جانب تقريبهم من الله عزَّ وجلّ.

لقاء طاووس بن كيسان بأمير المؤمنين

مضى طاووس بن كيسان برفقة الحاجب ذاهباً إلى أمير المؤمنين “سلميان بن عبدالملك”، وعندما دخل إلى سليمان بن عبدالملك حياه فردَّ أمير المؤمنين عليه التحية وهذا بأفضل منها.

كما وأنَّ أمير المؤمنين سليمان بن عبدالملك أمر باستقباله وأدنى مجلسه كذلك، وبعد ذلك، أخذ يسأله حينها عن الأمور التي أشكلت عليه فيما يخص الحج ومناسكه، وكان حينها يُنصت إليه بوقار وإجلال.

وعندها قال التابعي طاووس بن كيسان رضي الله عنه بمعنى كلامه: أنَّه عندما أحس أنَّ سليمان بن عبدالملك قد حصل على مراده من معرفة بعض الأمور التي أشكلت عليه فيما يخص الحج، وأنَّه لم يتبقَ بحوزته ما يسأل عنه قال في ذاته بمعنى كلمه بأنَّه مجلس سوف يسأله الله تعالى عنه.

وبعد ذلك توجه إليه وقال: “يا أمير المؤمنين إن صخرة كانت على شفير بئر في قعر جهنم، وقد ظلت تهوى في هذا البئر سبعين خريفاً حتى بلغت قرارها، أتدري لمن أعدَّ الله هذه البئر من آبار جهنم يا أمير المؤمين، فقال له:” لا”، ثم سأله ويلك لمن أعدها؟ فقال طاووس: “أعدَّها الله عزَّ وجل لمن أشركه في حكمه فجار”.

فقال فدخلت إلى سليمان بن عبدالملك أمير المؤمنين لذلك رعدة توقعت معها أنَّ روحه سوف تصعد من بين جبينه، وأخذ يبكي وكان حينها لبكائه نشيج حيث كان يُقطع نياط القلوب، فيقول: تركته وانصرفت وهو يجزيني خيراً.

رسالة طاووس بن كيسان إلى عمر بن عبد العزيز

عندما ولّيَ عمر بن عبد العزيز وهذا كخليفة حينها قد بعث عمر بن عبدالعزيز رسالة إلى طاووس بن كيسان وكان يقول فيها: “أوصني يا أبا عبدالرحمن”، فردَّ عليه طاووس بن كيسان برسالة بعثها إلى الخليفة وكان يقول فيها: “إذا أردت أن يكون عملك خيراً كله، فاستعمل أهل الخير والسلام”، وعندما استقبل الرسلة عمر بن عبدالعزيز وقرأها قال حينها: “كفى بها موعظة، كفى بها موعظة”.

طاووس بن كيسان وموقفه مع هشام بن عبد الملك

وعندما انتقلت الخلافة هذا إلى الخليفة هشام بن عبدالملك كان لكيسان رضي الله عنه معه المواقف المختلفة والمشهورة والمواقف المأثورة أيضاً، ومن بين تلك المواقف هي عندما أتى هشام بن عبدالملك إلى بين الله الحرام بغية أداء مناسك الحج، فقال حينها لخاصته بأن يأتوا له برجل من صحابة الرسول الكريم رضوان الله عليهم، فقالوا له آنذاك: إنَّ الصحابة قد لحقوا بربهم واحداً إثر آخر؛ “أي توفاهم الله تعالى واحداً تلو الآخر”، حتى أنَّه لم يبقَ أحداً منهم الآن.

فقال هشام بن عبد الملك آتوني برجل من التابعين إذاً، فجيء بالتابعي طاووس بن كيسان رضي الله عنه، فعندما أتى إلى هشام بن عبد الملك ودخل إليه قام حينها بخلع نعليه وهذا بحاشية بساطه، وسلَّم طاووس على هشام من غير أن يقول له أمير المؤمنين.

أي أنَّه قد خاطبه باسمه وابتعد عن تكنيته، كما وأنَّ طاووس قد جلس قبل أن يُؤذن له من قبل الخليفة هشام بالجلوس، فستشاط الخليفة هشام بن عبدالملك غضباً، ويُقال بأنَّ الغيظ اتضح بعينيه؛ وهذا بسبب التصرفات التي قام بها التابعي طاووس بن كيسان التي رأى فيها أنَّه قد اجترأ منه وكذلك نال من هيبته وهذا أمام رجال حاشيته والجُلساء حينها، بيد أنَّه لم يبقَ فترة إلّا أنَّه قد تذكَّر بأنَّه في بيت الله الحرام.

فرجع الخليفة هشام بن عبدالملك إلى ذاته وقال لطاووس بن كيسان حينها:” ما حملك يا طاووس على ما صنعت؟”، فردَّ طاووس عليه وقال له: “وما الذي صنعته؟”.

فعاود الغضب والغيظ إلى الخليفة هشام بن عبدالملك وقال لطاووس حينها: “خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلِّم عليَّ بإمرة المؤمنين، وسميتني باسمي، ولم تكنني، ثم جلست من غير اذني”.

فردَّ طاووس بن كيسان عليه وقال له بكل هدوء: “أما خلع نعلي بحاشية بساطك، فأنا أخلعهما بين يدي ربِّ العزَّة كل يوم خمس مرَّات، فلا يعاتبني ولا يغضب علي، وأمَّا قولك بأنّي لم أُسلِّم عليك بإمرة المؤمنين؛ فلأنَّ جميع المؤمنين ليسوا راضين بإمرتك، وقد خشيت أن أكون كاذباً إذا دعوتك بأمير المؤمنين، وأمَّا ما أخذته عليّ من أني ناديتك باسمك، ولم أكنك، فإنَّ الله عزَّ وجل نادى أنبياءه بأسمائهم فقال: ياداوود يا يحيى يا عيسى، وكنّى أعداءه فقال: تبت يدا أي لهب وتب”.

وقال له طاووس بمعنى كلامه بالنسبة إلى أنَّني قد جلست من غير أن تأذن لي بالجلوس فإنَّني قد سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين يقول: “أذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام بين يديه”، وقال له بأنَّه قد كره بأن يكون هشام ذلك الرجل الذي قد اعتبر من أهل النار.

فطأطأ الخليفة هشام بن عبدالملك رأسه وأنزله إلى الأرض خجلاً مما سمع، ثم عمد الخليفة برفع رأسه وقال له: “عظني يا أبا عبدالرحمن”، فردَّ عليه طاووس بن كيسان: “إنّي سمعت علي بن أبي طالب يقول: إنَّ في جهنم حيّات كالقلال وعقارب كالبغال، تلدغ كلَّ راعٍ لا يعدل في رعيته”.

حيث أنَّ التابعي الجليل طاووس بن كيسان رضي الله عنه يأتي إلى الأمراء وولاة الأمر؛ وهذا حتى يعمد إلى تذكيرهم وتوجيهاً لهم، حيث يُذكر بأنَّه كان يُعرض عن بعضهم؛ وهذا تبكيتاً وتأنيباً لهم.


شارك المقالة: