اقرأ في هذا المقال
اختبار سليمان عليه السلام ذكاء بلقيس:
تعريف بلقيس ملكة سبأ: وهي بنتُ الهدهادِ بن شُرحبيل من بني يغفر، ولا يُرف متى ولدت ولا متى توفيت، ولكن الذي نعرفهُ هو أنها ورثت المُلك عن أبيها حيث تولت زمام الأمور في مملمةٍ متراميةِ الأطراف، وهي أولُ ملكةٍ اتخذت من سبأ مكاناً لحُكمها، فقامت بترميمِ سدّ مأرب الشهير، وازدهرت سبأ ازدهاراً عظيماً واستقرت بلادها استقراً جميلاً، فقد تمتعَ أهل بلدها بالرخاء والأمان والحضارةِ، ووطدت مملكتها بالعدل والحكمة.
عندما أتى العرش واستقرّ عند سليمان: فقد أمرّ بنصبهِ وتجهيزهِ؛ لأن بلقيس قادمةً إليه في الطريق وهو يريدُ أن يختبرها اختباراً عقلياً وإيمانياً، فأمر بأن يُنكروا عرشها فقال لهم: “قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ” النمل:41. إنّ كلمة نكروا عكس عرفوا، فعرشها جاء على هيئتهِ كما كان في سبأ، فلو أنها جاءت ورأتهُ كما هو فستعرفهُ كما هو، ولا يعرفُ سليمان ذكاءهُا في الجواب، فأمرهم أنّ يُنكروا لها العرش بأن يغيروا بعض معالمهِ.
وقولهِ: “نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ” فإن كان المقصود به الهداية الإيمانية، فهو أن تهتدي إلى الإسلام، وإنّ كان عقليّاً بأن تهتدي إلى الجواب الصحيح، وحينما سألها حاول أن يعمي عليها في السؤال، فقال لها: “أهكذا عَرشك” النمل:42. فكأنه يقول لها إنّ هذا لبس عرشك، ولكنه قال: هل عرشكِ مثل هذا؟ فهنا أراد أن يختبرها فصعبَ عليها السؤال، فماذا قالت؟ لقد نظرت إلى العرش فوجدتهُ مثل عرشها، ولكن التنكير الذي حدثَ له، يدلُ على أنه ليس عرشها فجاءت بجوابٍ يحتملُ الحالتين معاً فماذا قالت؟ قالت: “كأنهُ هو” فعرفَ سليمان من هذه الإجابة أنها ذكيةً وحصيفةً وعاقلةً، هذا بالنسبة لهداية الإيمان، فهي لكي تعلم أنها تركت عرشها هناك في بلادها وجاءت إلى سليمان، فكيف جاء سليمان بالعرش بهذه السرعةِ مع أنها تركتهُ خلفها؟ فلا بدّ أنّ هذه قدرةً فوقَ مستوى البشر.
وقال سليمان “نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي” أي اهتدى إلى جواب يجمع الأمرين في المنكرِ وهو عرشها، أو تهتدي إلى أنّ الذي صنعَ ذلك يكون مؤيداً من الله بأسرار الكتاب، فنقلِ العرشِ بهذه السرعة فتؤمن، وقال الله تعالى: “وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ” النمل:42. إنّ كان هذا الكلام تكملتُ كلام بلقيس، فمعناهُ أنها أوتيت العلم قبل هذه الحادثةُ وعلمت أنهُ نبيٌ خاصة بعدما ردّ الهدية الثمينة، وقال لهم: “فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ” النمل:36. إلى هذه المواقف، فكأنها تقول له: نحن عرفنا قبل هذه الحادثة أنك نبيٌ وأسلمنا، أو أنّ الكلام كلامَ سليمان عليه السلام.
كيف كان ذكاء بلقيس:
لقد كانت بلقيس ملمةُ سبأ تتصفُ بأنها فطينةً رزينة، وكانت تنبعُ فطنتها من أنّ كونها امرأة، فالمرأة خلقها الله عزّ وجل وجعلها تتمتع بخاصيةٍ تُمكنها من النظرِ في نتائج الأمور وعواقبها. والشاهد على ذلك أنه كان لبلقيس كعادة الملوك عدد كبير من الجارياتِ اللاتي يشرفنّ على خدمتها، فإذا بلغن في السن استدعتهن فُرادى، فتحدث كل واحدة عن الرجال فإن رأت أن لونها قد تغير فطنت إلى أن جاريتها راغبة في الزواج، فتُزوجها بلقيس رجلاً من أشراف قومها وتُكرم مثواها.
مبادئ القيادة التي أخذتها بلقيس في الاعتبار:
– الشورى: فالشورى هو الامرُ الذي فعلتهُ بلقيس دائماً عندما تتعرضُ لأي مشاكلٍ تواجهها الدولة. فعند شعورها بالمشكلة قامت بحسن المشاورة وكان ذلك جزءاً من طبيعتها حيث تقول: “قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ” النمل:32. رغم أنه كان بمقدورها أن تكتفي برأيها إلا أنها ببصيرتها الثاقبة كانت ترى مصلحة البالد والعباد في مشاركة وزرائها وتقبل النقاش واحترام الآراء.
– حرية الفكر: لقد سمحت بلقيس لمستشاريها بأنّ يُعبروا عن أفكارهم وأن يعرضوا آرائهم بالرغمِ من أنها معارضةً للفكرتها الرئيسية ولم تقابل الفكرة بالرفض وإنما كما ذكرنا سابقا بالتماثل والتشابه في مثل هذه المواقف. وهذا ما تقول به النظريات الحديثة في القيادة مثل نظرية سلسلة السلوك حيث نحدد النموذج القيادي للقائد من خاللها بمقدارين هما، مقدار السلطة التي يمتلكها القائد و مقدار الحرية الممنوحة للتابعين أو المرؤوسين.
وإذا تم النظر إلى النظرية الموقفية لفيدلر والذي يرى أن الفعالية القيادية ما هي إلا نتيجـة تفاعل بين القائد والموقف القيادي نجد أن بلقيس ساهمت في تشخيص الموقف، وأن العناصر الأساسية للموقف والتي تتمثل في العالقة بين القائد وموظفيه ومعرفة مدى تقبلهم وارتياحهم له. وهذا واضح، كما أن البناء التنظيمي للعمل تم توضيحه بلطف ووضوح وتحديد لمعظم العناصر المؤثرة في الموقف، فقال تعالى: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” البقرة:269.