استدراج إبليس لآدم عليه السلام ولزوجه:
لقد استعمل إبليس في إغواء آدم وزوجهِ جميع الأساليب المغرية، فلم يترك سبيلاً إلا ولجهُ، ولا باباً إلا طرقهُ، ولم يكن إغراء إبليس لآدم وزوجه على مرحلةٍ واحدة، بل سبق ذلك مراحل عديدة، فكان دائم الترددِ عليهما، مرةً يستفردُ بآدم ويوسوسُ إليه ومرة يوسوسُ لحواء لوحدها ومرةً يوسوسُ إليهما معاً، فكان إبليس شديدُ الإلحاحِ وقد استخدم في ذلك طرقاً ومن أبرزها ما يلي:
1. النصح والإرشاد والإغراء:
لقد جاء إبليس إلى آدم وزوجه عن طريق النصحِ والإرشاد، يتقرب منهما ويُبين لهما أنهُ الناصحُ الأمين، وبأنه صادق المودةِ والمحبة لهما، وأنه يخاف عليهما من الموت، فهو يحبُ أن يكونا من الملائكةِ، وأن يكونا من الخالدين الذي لا يُصيبهم الموت.
وأرسل لهما في النصح والإرشاد، وجاءهم إلى ما تحبه النفس وترضاه، وهو الخلودُ للنفس والملك الدائم الذي لا ينفذ ولا ينقضي وقال: “ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أنّ تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين” الأعراف:21. وقال تعالى أيضاً هل أدلك على شجرة الخُلد ملكٌ لا يُبلى فاستَجاش إبليس بذلك كل كوامن النفس البشرية في حبّ الخلود والملك الدائم، والارتقاء إلى الحالة الملائكية؛ لأن الإنسان بطبيعته يكره الفقر ويكره الموت ويُحب الفنى والخلود. وإبليس في ذلك كتاب فولو كانت شجرة الخلد كما يدعي، لأكل منها وهو أصبح من الخالدين.
2. القسم باليمين:
عندما رأى الشيطان عدم استجابة من آدم وزوجه، ورأى منه مجافاةً لرأيه وبُعداً عن مشورته ونصيحته، ووجدهم ما زالوا على العهد مع الله، أقسم لهما إنه من الناصحين، قال أنا لا أريد لكم إلا الخير وهذا قسمٌ مني حتى تصدقوا ما أقوله فكلوا من الشجرة تصبحوا على الفور من الخالدين. فقد تمادى إبليس في إلحاحه وإلحافهُ ليستدرجُهم بمعسول القول، شارحاً لهم جمال الشجرة ولونها وشكلها وطعم ثمرها، وأخذ يقرب كل المغريات، فكان القسم في نهاية المطاف على أنه من الناصحين.
لم يظن آدم وحواء أن مخلوقاً من مخلوقات الله يقسم بجلاله وعظمته كاذباً، فاغتَرا بقوله وافتُتنا بقسمة، فأكلا وزَلا بإغوائِه وانخَدعا بمعسول كلامه. فكانت هذه أول تجربةٍ يتعرض لها الجنس البشري كله، وما أدرى آدم وحواء أن هناك أناسٌ يتصفون بالأخلاق الذميمة ويقسمون بالله وهم كاذبون. فقال تعالى: “وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى” طه:121-122.