كيف كانت عودة موسى عليه السلام إلى أمه؟

اقرأ في هذا المقال


عودة موسى عليه السلام إلى أمه:

قال تعالى: “وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ” القصص:12. فالتحريمُ في هذه الآيةِ ليس كتحريم بعض الأشياء التي حرمها الله علينا؛ لأن هذا طفل لم يبلغ سن التكليف، ولكن المعنى، معناه من أن يقترب من أيةِ امرأةٍ تأتي لترضعه؛ حتى يبحثوا له عن مراضع، فلما رأت أخت موسى عليه السلام أنه لا يرضع من أي مرضعةٍ أخرى قالت لهم: “هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ” فلما قال ذلك، سمعها هامان فسألها إنّ كانت تعرف شيئاً عن هذا طفل، قالت لا، ولكنهم ناصحون، محبون للملكِ ومخلصون له.
فرّدهُ الله إلى أمهِ، قال تعالى: “فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَالقصص:13. فردّه الله سبحانه وتعالى إلى أمه كي تفرح وتقرّ عينها به ولا تحزن على فراقه. وكلمة “فرددناهُ إلى أمهِ” فإنها تدل على أنّ الأسباب في يد المُسبب، فالله ردهُ؛ لأنّ الله يُجري الأمور وفقَ إرادته ومشيئته ويحول بين المرء وقلبه، ولتعلم أن وعدّ الله حق في قوله: “فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” القصص:7 فحفظهُ الله تعالى وردهُ إليها كما وعدها من قبل.

خروج موسى عليه السلام إلى مدين:

لقد مضت الأحداث، فيقول الله تعالى: “وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ” القصص:15. ومعنى “على حين غفلةٍ” أي في وقت القيلولة؛ لأن قوم موسى عليه السلام كانوا مُضطهدين، وهناك بعض المدن يمنعون دخولها؛ لأن بها أكثريةً من أعدائهم، وكان موسى عليه السلام واحداً منهم، ولكن الله تعالى جعلَ موسى يعزم على دخول المدينة، وهي “منفَ” فأراد أن يدخلها في وقت غفلةٍ من أهلها، فاختار وقت القيلولة؛ لأن الناس يُقيلون في بيوتهم، فلما دخلها وجدَ فيها رجلينِ يتشاجرانِ، أحدهما من شيعتهِ أي أنه من بني إسرائيل، والآخر من القبطِ.
ومعنى استغاثهُ، أي أنه طلب منه الاستغاثةِ أي طلب منه الغوث، فاستغاثهُ الإسرائيلي على القبطي، فوكزهُ موسى عليه السلام، أي ضربهُ بجمعِ يديهِ، فجاء قدرُ القبطي مع الوكزة، فلم يمت من الوكزة، ولكنهُ مات عندها لا بها؛ لأن ساعة أجلهِ قد حانت حينما ضرب موسى عليه السلام الرجل فمات، وحزنَ وقال: “قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” القصص:16. ساعةً يُخطئ الإنسان ويفعلُ ذنباً ويعرف أنه أذنب لا يكابر فيه، بل يُبادر على الفور ويقول: أنا ظلمتُ نفسي وحكمك الحق يا رب فاغفرِ لي.

هل غفر الله لموسى عليه السلام حينما قتل الرجل؟

حينما استغفر موسى عليه السلام ربهُ غفرَ لهُ؛ لأنه سبحانه الغفور الرحيم؛ ولأن الإنسان أصابتهُ غفلة، واقترفَ ذنباً ولم يفتهُ الله له باب التوبة والمغفرة، لكان الذي يُخطئ ويعملُ ذنباً واحداً في حياته، لكان يأس ويعمل كل الذنوب؛ لأنه وقع في الخطأ ولا توبة له. إذن فقد شرعت التوبة من عند الله والمغفرةُ؛ لأجل مصلحة الناس وتعطي الناس أملاً في أنه لم يطرد من رحمة الله تعالى.
ولما غفر الله تعالى لموسى وقبل توبتهِ، عاهد موسى ربه ألّا يكون ظهيراً للمجرمين، قال تعالى: “قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ” القصص:17. أي يارب، بما أنعمت عليّ بالمغفرة وعذرتني وتُبت عليّ، فإنني أعاهدك يا ربي أنني لن أكون معينّاً للمجرمين. وأصبح بعد هذا الحادث خائفاً يترقب، قال تعالى: “فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ” القصص:18. “يترقبُ” أي يرقب انفعالات الناس المقبلين عليه؛ لأنه يخشى أن يؤذوه انتقاماً للقبطي الذي مات في المشاجرة.
ولما أصبح موسى عليه السلام في المدينة خائفاً يترقبُ انفعالات الناس المقبلين عليه؛ خشية أن ينتقموا منه، وجد الرجل الإسرائيلي الذي استغاثهُ بالأمس يستصرخهُ، فقال له موسى: “إنّك لغويٌ مبين” أنت تُريد أن تُغويني لأكرر خطأ الأمس، ومع ذلك حنّ لنصرته، ولم يترك خصمه يفتكُ به، قال تعالى: “فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ” القصص:19.
وعندئذٍ جاء الرجل المؤمن من آل فرعون من آخر المدينة يسعى إلى موسى ليحذره، وقال له: “إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ” فكان الرجل ينصحهُ بالهروب قبل أن يقتلهُ فرعون وقومه، ولم يجد موسى بُدّاً من الخروج، ولكن كان ذلك لحكمةٍ أرادها الله تعالى.


شارك المقالة: