تخيير المحضون:
لقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قال الشافعي تخيير الغلام إذا أكل وشرب وحده، فإذا اختار الأب كان أولى به، وكذلك إن اختار الأم كان عندها لعدة شروط منها:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه “إن امرأة خاصمت زوجها وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت:إنه طلقني وإنه يريد أن ينزع مني ابني وقد نفعني، وسقاني من بئر أبي عنبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استهما عليه فقال: من يحاجني في ابني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام هذه أمك وهذا أبوك فاختر أيهما شئت فأخذ الغلام بيد أمه”.سنن أبي داوود.
2. عن ابن عباس قال: طلق عمر بن الخطاب امرأته الأنصاريه أم ابنة عاصم فلقيها تحمله بمحسر ولقيه قد فُطم ومشى فأخذه بيده لينتزعه منها ونازعها إياه حتى أوجع الغلام وقال: أنا أحق بابني منك فاختصما إلى أبي بكر فقضى لها به وقال: ريحها وحرها وفراشها خيرٌ له منك حتى يشب ويختار لنفسه. مصنف عبدالرزاق.
3. عن عماره بن ربيعه الجرمي قال: خاصمت في أمي عمي من أهل البصره إلى علي قال: فجاء عمي وأمي فأرسلوني إلى علي فدعوته فجاء فقصوا عليه فقال:أمك احب إليك أم عمك قال: قلت بل أمي ثلاث مرات قال:
وكانوا يستحبون الثلاث في كل شيء فقال لي: أنت مع أمك وأخيك هذا إذا بلغ ما بلغت خُيرَ كما خيرت قال: وأنا غلام .مصنف عبد الرزاق.
القول الثاني: يرى الحنبلية في القول المعتمد عندهم مشروعية تخيير الغلام غير المعتوه بين أبويه عند بلوغ السابعه من دون الفتاة، واستدلوا لرأيهم بعدة أمور منها:
1. إن الأدلة التي اعتمد عليها الفريق الأول إنما جاءت بخصوص الذكر دون الأنثى فلا يتعداها، ولا يُقاس عليها للفارق بين الذكر والأنثى في التخيير.
2. إن العاده شاهدةً بأن اختيار الأنثى لأحد الأبوين يُضعف من رغبة الولد الآخر في الإحسان إليها وصيانتها وما تناوب الناس على حفضه وتواكلوا فيه وآل أمره إلى الضياع.
القول الثالث: يرى الحنفية والمالكية أنه لا تخيير للطفل بين أبويه، ويبقى الطفل في حضانة أمه، فقد ذهب الحنفية إلى إبقاء الطفل مع الحاضنة حتى يستقل بنفسه في الأكل والملبس والاستنجاء وتبقى الفتاة مع الحاضنة حتى تحيض، ثم بعد ذلك يقوم الأب برعايتهما.
وذهب المالكية برواية عنهم إلى أن الحضانة في الذكر والأنثى من حق الأم حتى البلوغ في الذكر وحتى تتزوج الفتاة ويدخل بها زوجها. حاشية الصاوي. ومن الدلادلة على قولهم:
– قوله تعالى ” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ “البقرة:233. جعل الله تعالى حق الحضانة للأم وجعلها أولى من غيرها، ويتحقق ذلك من خلال إراضاعها لابنها، وتكون الحضانة للذكر حتى البلوغ، وللفتاة حتى النكاح.
– عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو: أن امرأةً قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :” انت أحق به ما لم تنكحي “.
قال الشيخ الألباني: حسن يشير الحديث إلى ان النبي صلى الله عليه وسلم: لم يخير الغلام بل حكم بحق الأم بحضانة الغلام ما لم تُنكح.
– عن البراء بن العازب أن ابنة حمزه اختصم فيها علي وزيد وجعفر قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال: جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال: زيد ابنة أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم: لخالتها وقال: الخاله بمنزلة الأم. صحيح البخاري.
– لايصح تخيير الغلام أصلاً؛ لأن قوله غير مقبول، فهو لا يعرف ما ينفعه، لذلك لا يقبل تخييره، وقول الأم”قد سقاني من بئر أبي عنبه” يدل على أنه كان كبيراً.
– إنّ تخيير الصبي ليس بحكمة؛ لأنه لغلبة هواه يميل إلى اللذة الحاضرة من الفراغ والكسل، والهرب من الكتاب وتعلم آداب النفس ومعالم الدين، فيختار شر الأبوين وهو الذي لا يؤدبه.
– إنّ استدلال الشافعي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه والمراد منه التخيير في حق البالغ؛ لأنها قالت: نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة: نفعني أي: كسب عليّ والبالغ هو الذي يقدر على الكسب، ولا يمكن للصغير الإستقاء منه فدلّ على أنّ المراد منه التخيير في حق البالغ.