اقرأ في هذا المقال
العاقلة في الإسلام:
العاقلة لغة: وهي مشتقة من العقل وتعني الحجر والنهي والعصبة وهم القرابة من قبل الأب؛ لأنهم يعقلون الإبل أي يربطون ركبها في فناء أولياء الدم، فنقول: عقّل القتيل أي أعطى ديته، وعقلَ لهدم فلان إذا ترك القود وأخذ الدية وعقلَ عن فلان أي غرم عنه جنايته وهي أمثلة الفرق بين عقله وعقل له وعقل عنه.
العاقلة شرعاً: وقد اختلف الفقهاء في تعريف العاقلة.
– عرف الحنفية والمالكية العاقلة: بأنها القرابة والديوانِ وبيت المال، لكن الديوان مقدم عليهم.
– أما الشافعية والحنابلة فقد عرفو العاقلة بأنهم عصبة الإنسان الوارثون من جهةِ أبيه إذا كانوا ذكوراً، ثم الولاء ثم بيت المال.
وقد سُميت العاقلة بهذا الإسم؛ لأنهم يمنعون القاتل أي يحمونه ويدافعونَ عنه، إذ العقل المنع. ولأنهم الذين يعقلون الإبل بفناء مستحقةٍ من أولياء دم المقتول كما تقدم. ولأنهم يعقلون الدماء من أن تسفك.
دليل مشروعية اعتبار العاقلة:
لقد اعتبرت العاقلة شرعاً بالسنة والإجماع، وفي ما يلي بيان ذلك.
– السنة النبوية: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتهُما وما في بطنها: فاختصموا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقضى أن دية جنينها غرّة، عبدّ أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها”. صحيح البخاري. ووجه الدلالة: دل الحديث على وجوب الدية على العاقلة.
– الإجماع: نقل ابن المنذر الإجماع على مشروعية اعتبار العاقلة بقوله: أجمع أهل العلم على أن دية الخطأ تحمله العاقلة.
حكمة مشروعية العاقلة:
لقد نزل القرآن وجاءت السنة النبوية الشريفة في مجتمع يتناصرهُ بحمية الدم والقرابة، فإذا ظُلم واحد منهم هبت القرابة لنصرته، وإذا أخطأ واحدٌ منهم فأصاب دماً هبت أيضاً لنجدته ومعاونته في تحمل ما يترتب عليه من تكلفة، فجاءت الشريعة الإسلامية وأقرت أعراف الناس في هذا الأمر وفرضت المساعدة على أقرب الناس إلى الجاني، وهم من يعرفون بالعاقلة، نظراً إلى أن صلة القربى لا تتغير بتغير الأزمان، إلا أنها أجرت بعض التصحيحات في ذلك.
وفي إيجاب العاقلة تتحقق المساواة والعدل، وحفظاً للدماء وحِياطتها وعدم إهدارها وتخفيف عن القاتل، ونصرة له، وتدعيم لأواصِر المحبة والألفة والمعاونة والإصلاح بين أفراد الأسرة.
وفي تشريع العاقلة دليلٌ على عظمة الإسلام، فإن مع ما ينذر ويحذر من الوقوع في المشكلة، ويضع لها من الحلول المثالية ما يُرضي طرفيها، ويُقلل من آثارها رأباً للصدع، وجبراً للكسر الذي لحق بالأمة من خلال فعل أحد أفرادها، إذ كل مشكلة فردية ينظر الإسلام إليها في إطار الجماعة لا بمنأى عنها، إقامةً للتوازن بين نظرة الإسلام للفرد والجماعة.
مصير العواقل في عصرنا:
لم يُعد نظام الديوان ولا بيت المال موجوداً في الوقت الحاضر، ولا يوجد نظام العاقلة القائم على النصرة بين أفراد القبيلة أو العشيرة في أغلب البلاد، فأصبح الجاني في ماله وحده المتحمل للديّة؛ لأنه هو المباشر للجناية أو المتسبب بها، وقد قرر الفقهاء كلهم وجوب الدية على الجاني، إذا لم توجد له عاقلة، ولم يوجد بيت المال.