ماذا تعني المصادرة في المال؟

اقرأ في هذا المقال


المصادرة في المال:

تُعتبر المصادرة بأنها إحدى العقوبات المالية التي تُتخذُ في الذمة المالية في حق المحكوم عليه محلاً لها، وهي عبارة عن نزعِ مُلكيةِ المالِ من صاحبه على طريقةٍ جبراً عنه، وإضافتهُ إلى مُلكية الدولة من غير مقابل.

قد يكون محل الجريمة مُحرماً، سواء من حيث العين أو من حيث الصفة. فالمحرم من حيث العين، مثاله: خمر المسلم وخنازيرهُ. والمحرم من حيث الصفة: هو آلات الملاهي والأصنام المعبودة من دون الله. والعلماء متفقون على إزالة وتغيير ما كان من هذا القبيل: فخمر المسلم يُراق، وخنازيرهُ تُذبح وتحرق بالنار، وتفكك آلات الملاهي والأصنام تتلف أو تغير.
ولو أن بعض هذه الأشياء كالخمر لا يعتبر مالاً متقوماً في حق المسلم، فيكون إتلافه بطريق الحسبة والنهي عن المنكر، إلا أن إتلاف مثل هذه الأشياء يُعتبر من حيث أثره كإتلافِ غيره من الأشياء المعتبرة من الأموال. ويمكن أن يُعتبر الإتلاف من قبيل المصادرة؛ لأن من الأشياء التي تصادر ما قد يكون ماله الإتلاف، كبعض المواد المخدرة والمواد الفاسدة التي لا يمكن أن تُستعمل.

وقد يكون المال هو محلُ المنكر، من حيث العين أو الصفة: ومثاله آنية الخمر ومادة آلات اللهو وما شابه ذلك، وقد أثير الخلاف حول هذه الأشياء:

1. فقال البعض ومنهم الحنفية: إن الحاكم لا ينبغي له أن يخرق الزق الذي فيه الخمر، ولا يكسر الإناء الذي فيه الخمر. وقالوا: إن هذا مال متقوم بين المسلمين، وليس للإمام أن يفسد مال المسلمين، بخلاف الخمر والخنزير؛ لأنه ليس بمال عند المسلمين، فإن خرق الزق أو كُسر الإناء فإنه يضمن ما أتلف؛ لأنه أتلف مالاً متقوماً على مسلم.
لكن هؤلاء قالوا مع ذلك: إن الإمام إذا رأى أن يخرق الزق أو يُكسر إناء الخمر وما شاكل ذلك على سبيل العقوبة، لصاحب هذه الأشياء، فلا ضمان عليه؛ لأنه مجتهد فيما صنع. وقد اختلفت عبارة الفقهاء في ذلك، فقال بعضهم: إن العقوبة والتعزير بإتلاف المال مجتهدٌ فيه، وبعضهم قالوا للآثار المعروفة، أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإراقة الخمر وكسر الدنان، ثم اختلف العلماء، أن الأمر بكسر الدنان هل انتسخ، فأكثرهم على أنه انتسخ وبعضهم على أنه لم يُنتسخ، فالإمام إذا رأى ذلك فقد وجد لما رأى اختلافاً، وهذا هو معنى القول إنه مُجتهدٌ فيه.
2. قال مطرف وابن الماجشون فيمن غش أو نقص من الوزن: بأنه يُعاقب بالضرب والحبس والإخراج من السوق. أما ما كثر من الخبز واللبن أو غش من المسك والزعفران ونحو ذلك من المغشوشات، فإنه لا يفرق ولا ينهب، وحتى لا يلحق الناس ضرر من هذه المغشوشات، قال عبد الملك بن حبيب: إن الإمام لا يرد هذه الأموال إلى الغاش، ولكن يعهد إلى غيره ببيعها عليه، ممّن يؤمن أن يغش به، ويكسر الخبز إذا كثر ويسلمه صاحبه، ويُباع عليه العسل والسمن واللبن الذي يغشه لمن يأكله مع بيان غشه له. وأن هذا هو الشأن في كل ما يغش من أنواع المبيعات.

3.
وقال آخرون منهم مالك في رواية ابن القاسم، وفي الرواية المشهورة عنه وهو مذهب أحمد وغيره من الفقهاء، بجوازِ إتلاف المحل الذي قام بها المنكر؛ لأن في ذلك نهياً عن العودة إلى المنكر الذي قام بهذا المحل. ومن الأمثلة التي قيل إتلاف المحل الذي به المنكر هي كثيرةٌ منها:
أ- مادة الأصنام المعبودة من دون الله تعالى.
ب – ومادة آلات الملاهي، وأوعيةِ الخمر. وقد يكون محل الذي قام به المنكر من المبيعات من مأكلٍ وملبس، فجميع الأطعمة المغشوشة تدخل في هذا المجال وجميع الملابس والمنسوجات التي دخلَ فيها الغش، وعمومِ كل المبيعات التي غُشت، يجوز فيها الإتلاف عند من يقول به.
وقد تقدم ذكر كثيرٌ من الأمثلة، منها اللبن المغشوش بقصد البيع. وليس إتلافُ محلٍ معين، بل يجوز أن يتصدق بالشيء؛ لأن في التصدق به عقاباً لصاحبه، وفيه بنفسِ الوقت تقع للمساكين والمحتاجين. وغنى عن البيان أن هذا التصدق لا يكون إلا إذا لم يكن بالشىءِ الذي يتصدق به ضررٌ لمن يتناول أو يستعمله. فاللبن الذي شيبَ بالماء بقصد البيع وجميع الأطعمة والأشربة المغشوشة التي ليس فيها ما يضرُ بالصحة يمكن أن تعطى للمحتاجين. أما إذا كان في الشيء ما يضرُ، فإن الضرر يجب أن يُدفع، ويكون ذلك بأيةِ وسيلةٍ يراها الحاكم، وقد يكونُ بالإتلاف، كما في الأطعمة التالفة أو الفاسدة.
وما دام أن إتلاف الشيء أو التصدق به جائز فنرى أنه لا يوجد ما يمنع من أن تبقى الدولة الشيء موضوع الجريمة على ملكها، وتَوجه الوجهة التي ترى؛ لأنه إذا كان الإتلاف جائزاً لما فيه من حرمان الجاني ماله ونزعِ ملكيتهُ منه، فإنّ إبقاء الشيء على ملك الدولة تتصرف فيه بما ترى يجوز من باب أولى؛ لأن فيه حرماناً لصاحب الشيء منه، ونزعاً لملكيته، وزيادة عن الفائدة التي تعود على الدولة من استغلاله فيما ترى.


شارك المقالة: