ماذا يشترط في صيغة النذر؟
يُشترط في صيغة النذر ما يأتي:
- أن تكون صيغة النذر كلاماً؛ فلا يصحُ النذر من القادر على النطق إلا بالقول. أما من غير القادر على النطق مثل الأخرس، فتقوم الإشارة مكان العبارة إذا فهمت. ولو نوى الإنسان نذراً بقلبه من غير قول، فإنَّه لا يصح وذلك؛ لأن النذر موجب للكفارة في أحد طرفيه، فلم ينعقد بالنية كاليمين. والنصوص من الكتاب والسنة تفيد أن النذر يكون كلاماً كما قال الله تعالى:”فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا” مريم:26. فهذه الآية تدل على صراحة أن صيغة النذر تكون كلاماً. فمن البديهي أن تكون صيغة النذر كلاماً ولا تكون مجرد خاطر يمر في القلب، إذ النذر هو إلزام النفس بقربةٍ، ومجرد خطورهُ على القلب لا يُعدّ إلزاماً؛ لأننا لو اعتبرنا كل ما يخطر ببال الإنسان إلزاماً له، لكان في ذلك إلحاق الحرج بالناس، وهذا مدفوع في الشريعة، فقال تعالى:”وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ” الحج:78. وقال تعالى:”يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر” البقرة:185.
- أن لا يدخل الاستثناء في صيغة النذر: وعلى هذا فكل استثناء يدخل في صيغة النذر يُبطله ولا ينعقد ابتداءً. فلو قال مسلم: إنَّ نجحت في الامتحان فلله عليّ إنَّ شاء الله أن أذبح شاة وأتصدقُ بلحمِها على الفقراء والمحتاجين فلا ينعقد النذر. وإلى إبطال النذر بالاستثناء ذهب الحنفية وابن حزم وهو قول عند الحنابلة.
فقال ابن حزم يؤكد رأيه ويوضحه في المحلى: ومن قال في النذر اللازم الذي قدمنا: إلا أن يشاء الله، أو إنَّ شاء الله، أو ذكر الإرادة مكان المشيئة، أو إلا أن بدل الله ما في نفسي، أو إلا أن يبدو لي، أو نحو هذا من الاستثناء ووصله بكلامه، فهو استثناء صحيح، لا يلزمه ما نذر، وذلك لقول الله تعالى:”” ولا تقولنّ لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غداً ، إلا أن يشاءِ اللهُ” الكهف:23. ولأنه إذا علّق نذره بكل ما ذكرنا فلم يلتزمه، وكذلك إذ بدا له.
وقال صاحب الشرح الكبير من الحنابلة: أنه يصح الاستثناء في كل يمين مكفرةٍ، مثل اليمين بالله تعالى والظهار والنذر، فلو قال لله عليّ أن أتصدق بمائة درهم إنَّ شاء الله لم يلزمه شيء؛ لأنها أيمان فتدخل في عموم قوله: فمن حلف فقال: إن شاء الله لم يحنث.