اقرأ في هذا المقال
- الالتفات في الحيعلتين
- شروط صحة الأذان والإقامة
- في الموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة
- الطهارة من الحدثين
الالتفات في الحيعلتين:
لقد نقل غير واحدٍ الإجماع على سُنية الالتفات عند الحيعلتين، فقد روى مسلم من حديث أبي جُحفية رضي الله عنه قال: “أذن بلالُ فجعلت أتتبعُ فاه هاهُنا، يقول يميناً وشمالاً يقولُ: حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح” رواه مسلم.
وفي حكاية الإجماع توقٌف؛ وذلك لوجود من علّق الأمر بمصلحة الإسماع من بعض الفقهاء من المالكية وغيرهم. وقد وقع الخلافُ في استحباب الالتفات في الحيعلتين في الإقامة. والصحيح أنه لا يُستحب، إذ لا دليل عليه، والأليقُ في الإقامة عدُمه؛ إذ يُشرع فيها الحدر.
وصفة الإلتفات لا أعلم لها كيفية مفصّلة في السّنة. ولذا اختلف في هيئتها العلماء على ثلاثة أحوال وهي:
الأولى: أنه يقول: “حيّ على الصلاة” في المرتين عن يمينه، ثم يقولُ عن يساره: “حيّ على الفلاح” في المرتين. وهو مذهب الحنابلة، وقول لبعض الفقهاء من الشافعية والحنفية وهو الأقرب.
الثانية: عن يمينه: “حي على الصلاة” مرّة ثم عن يساره أخرى، ثم يقول: “حيّ على الفلاح” مرّة عن يمينه، ثم عن يساره أخرى. وهو قول لبعض الفقهاء من الحنفية والحنابلة.
الثالثة: كالحالة الأولى، لكنه يرجع بعد كلّ حيعلة إلى القبلة فيستقبلها بوجهه. والأظهر أن عِلّة الالتفات هو الإسماع، فينتفي العمل به مع وجود مكبرات الصوت.
وأما الاستدارة، فلا تُسنُّ في الأذان والإقامة: وقال بها بعض الفقهاء، واحتجّوا بما روي في حديث أبي جُحيفة رضي الله عنه وفيه: “فخرجَ بلالٌ فأذّن فاستدار في أذانهُ” ابن ماجه. ولا يصحّ؛ لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف لا تقوم بمثلهِ حجة، وتفرّده بمثل هذه السّنة مردود بمرّة، ولو صحت، لكان المراد بالاستدارة الالتفات، وقد جاء نفي الاستداره، كما روي أبو داود من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه، وفيه: “رأيت بلالاً خرجَ إلى الأبطح فأذن، فلمّا بلغ حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، لوّى عُنقهُ يميناً وشمالاً ولم يستدر” رواه أبو داود.
شروط صحة الأذان والإقامة:
لا بدّ لصحة الأذان من ممّا يلي: وهي دخول وقت الصلاة. وأداء الأذان بالعربية بلا لحن يُخلّ. وهذه شروط متفقٌ عليها حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر، وابن رشد وابنهبيرة وجماعة. وروي عن أبي حنيفة قول بصحة الأذان بغير العربية إذا علم أنه أذان، وهو منكرٌ لم يوافق عليه. ويستثني من دخول الوقت الأذانُ لصلاة الفجر قبل وقتها.
لقد ذهب الجمهور إلى مشروعيتهُ خلافاً للحنفية، والدليل على مشروعيته واستحبابه صريح صحيح؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “إنّ بلالاً يؤذّن بليلٍ، فكلُوا واشرّبُوا حتى يؤذّن ابن أمّ مكتومٍ” رواه البخاري.
وأما ما رواه أبو داود والدار قطني والبيهقي: “أن بلالاً أذّن قبل طُلوع الفجر، فأمرهُ النبيّ عليه الصلاة والسلام أن يرجع فيُنادي: ألا إنّ العبد نام، ألا إنّ العبد نام”، فغير محفوظ باتفاق الحفاظ: ابن المديني وأحمد والبخاري وأبو حاتم وجماعة، أخطأ فيه حماد فرفعة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، والصواب وقفة على عمر. وحديث ابن عمر وعائشة أصح. وقد جمع بينهما ابن خزيمة، كما في صحيحة. فقال: إنّ الأذان كان نوباً بين بلال وبين ابن أمّ مكتوم، فكان يتقدم بلال مرة، فيجوز أن يكون قال هذا، أي قولة: “ألا أن العبد نام في اليوم الذي كانت نوبته التأخير”. ولا حاجة للجمع مع ضعف الحديث عند الائمة. وإذا أذن للفجر الأذان الأول، لا يغني عن الثاني للأحاديث الصريحة وعلية جمهور العلماء، وخالف فيه بعض المالكية، ولا عبرة بخلاف الدليل.
في الموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة:
اتفق العلماء على أنه يتأكد التوالي بين ألفاظ الاذن والإقامة. وإذا فصل بين كلمات الأذان بكلام أو سكوت يسير، فلا تنقطع الموالاة. فقد ثبت عن الصحابي سليمان بن صرد رضي الله عنه أنه كان يؤذن في العسكر، وكان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه. رواة ابو نعيم الفضل بن دكين في كتاب الصلاة وعلقه “البخاري”.
والمقصود من الأذان الاعلام، والسكوت أو القطع اليسير لا يفوت المقصود. وأما الفصل الطويل بين كلمات الأذان، فهو يخل بالموالاةِ، ويجب معه إعادة الأذان عند جمهور العلماء. ما يكره في الأذان يكره في الإقامة سواء، وقد عن الإمام الشافعي قولة: “وما كرهت له من الكلام في الأذان كنت له في الإقامة أكره” وقد شدد الإمام أحمد في الإقامة ما لم يشدد في الأذان فقد سئل: الرجل يتكلم في أذانه؟ فقال: نعم، فقيل له: يتكلم في الإقامة؟ فقال: لا.
الطهارة من الحدثين:
الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر للأذان والإقامة أفضل باتفاق العلماء. فقد روى الترميذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤذن إلا متوضئ، لكنه لا يصح مرفوعاً، والصواب وقفه على أبي هريرة، صوبه الحفاظ منهم الترميذي والبغوي.
وروى أهل السنن إلّا الترميذي من حديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى تؤضا، ثم اعتذر اليه، فقال: “إني كرهت أن أذكر الله عز وجل الأعلى طهر، أو قال: على طهارة” رواه أبو داود.
وروى أبو الشيخ في “كتاب الأذان” بسند ضعيف من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “يا ابن عباس: إن الأذان متصل بالصلاة، فلا يؤذن أحدكم الا وهو طاهر”. وروى البيهقي من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: “حقٌ وسنة مسنونة أن لا يؤذن الا وهو طاهر، وعبد الجبار، وأن لم يسمع من أبيه، فحديثه يحمل ما لم يخالف. ورواه عبد الرزاق في مصفنه عن ابن جريج عن عطاء من قولة. وأذان المحدث حدثا أصغر صحيح بلا خوف. وقد حكى الإجماع على ذلك ابن هبيرة في “الافصاح”. ويكرة إقامة المحدث: لأن الاقامة يعقبها صلاة.
وأما الأذان، فلا يكره فيه ذلك، وهو قول جماعة كالأمام مالك، وهو مذهب الحنابلة وغيرهم ، وقد ذكر بعض الفقهاء من الحنيفة أن بلالاً ربما أذن وهو على غير وضوء، ولم أره مخرجاً في المنصفات والمسانيد وكتب السنة والأثر. وأما أذان المحدث حدثا أكبر، فصحيح عند الجمهور مع الكراهة، وهو الصواب. وقد جاء عن عائشة رضي الله عنه كما في في الصحيح: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه” رواه مسلم.