التثويب في الأذان:
والتثويب: هو الدعاء للصلاة وغيرها، والمراد به: الرجوع إلى الإعلام بالصلاة بعد الإعلام الأول بقوله: “الصلاةُ خيرٌ من النوم” مرتين في أذان الفجر. وقد اتفق الأئمة على أن التثويب سنةً في أذان الفجر، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من الأئمة؛ كابن هبيرة رحمه الله. وقد كرهة الشافعي في الجديد في الجديدة؛ إذ لم يحكهِ أبو محذورة، وقد تعقبه ابن المنذر في الأوسط، فقال: وما هذا إلا سهواً منه ونسياناً، حيث كتب هذه المسألة؛ لأنه حكى ذلك في الكتاب العراقي عن سعد القرظ، وعن أبي محذورة وروى ذلك عن عليّ”.
وللحنابلة رواية ضعيفة بوجوب التثويب، وغيرُ معمول بها، والصواب سنيّته، لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام لأبي محذورة رضي الله: “فإنّ كان صلاة الصّبح قُلت: الصّلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النومٌ” أبو داود. ولما جاء في الحديث بلال رضي الله عنه، أنه أتى النبيّ عليه الصلاة والسلام يُؤذنه بالصبح فوجده راقداً، فقال: الصلاة خيرٌ من النوم، مرتين، فقال عليه الصلاة والسلام: “ما أحسن هذا يا بلال، اجعله في أذانك ولا يصح”؛ لأنه من رواية ابن المسيب عن بلال، ولم يسمع منه.
موضع التثويب بعد قول المؤذن:
حيّ على الفلاح، وهو قول جمهور العلماء. وقال بعض الفقهاء من الحنفية أن موضعه بعد الأذان، وهو قول ضعيف جداً. لما جاء في حديث أبي محذورة رضي الله عنه. وقد سبق في تعليم النبي عليه الصلاة والسلام له الأذان، قال: “حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، فإن كان صلاة الصُبح قلت: الصلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم، الله أكبرُ، الله أكبر، لا إله إلا الله”.
وما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان التثويب في صلاة الغذاة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، فليُل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم”.
وما روي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: “كان في الأذان الأول بعد الفلاح، الصلاة خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرُ من النوم. وقيل: يُشرع في الأذان الأول قبل طلوع الفجر، وهو رأيٌ لبعض الفقهاء من الحنابلة، وقال به بعض المتأخرين، وهو خلاف الصواب، بل يُشرع التثويب على الصحيح في الأذان الثاني الذي يكون بعد طلوع الفجر، وهو مذهب الحنابلة وجماعة، وما جاء في بعض الأحادي من ذكر الأذان الأول، فالمقصود به أذان صلاة الفجر؛ لأن الإقامة تُسمى الثاني لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة فجر الصبح ثم اضطجع على شِقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة” رواه البخاري.
وأما من قال بالتثويب بالأذان الأول قبل دخول وقت الفجر، استدلاً بما رُوي عن عبد الله بن عمر، قال: “كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاةُ خيرٌ من النوم مرتين” رواه البيهقي. وما رُوي عن أبي محذورة يرفعهُ، وفيه: “وإذا أذّنت بالأول من الصبح، فقل: الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم”. أخرجه أبو داود والنسائي.
والمقصود هنا هو أذان الفجر؛ وذلك لدخول وقت الصلاة ويسمى الأول؛ لأنه قبل النداء للإقامة، والإقامة تسمى الثاني، ففي بعض ألفاظ حديث عائشة عند مسلم وهو: “فإذا كان عند النداء الأول وثب ثم خرج إلى الصلاة….. إلى أخر الحديث. أما الدارمي قال بلفظ: “فإذا سكت المؤذن من الأذان الأول ركع ركعتين خفيفتين”.
قال الحافظ: الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت وهو أولٌ باعتبار الإقامة، وثانياً باعتبار الأذان الذي قبل الفجر”. وكذلك لما رواه نُعيم بن النّحام رضي الله عنه قال: كنتُ مع امرأتي في مرطها في غداةٍ باردة، فنادى مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة، فلّما سمعتُ قلتُ: لو قال: “ومن قعدَ فلا حرج، قال: فلما قال: الصلاةُ خيرٌ من النوم، قال: ومن قعد فلا حرج”. مصنف عبد الرزاق وأحمد.
وأما ما احتجّ به بعضُ أهل العلم مما في الصحيحين مرفوعاً: “إنّ بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يُنادي ابن أم مكتوم. وقوله عليه الصلاة والسلام: لا يمنعن أحدكم أو أحداً منكم أذانُ بلال من سحوره؛ فإنه يؤذن أو يُنادي بليلٍ ليرجع قائمكم وليُنبه نائمكم” متفق عليه.
ويُكره التثويب لغير أذان صلاة الفجر عند جمهور العلماء من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة. ولما جاء في حديث بلال رضي الله عنه: “أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ لا أثوبُ في شيءٍ من الصلاة إلا صلاة الفجر” رواه أحمد. ومن قال بالتثويب في غير الفجر أحدث؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منهُ، فهو ردّ”. رواه البخاري.