التشهير:
إن معنى التشهير في الشرع الإسلامي هو عدم الستر على المجاهر بمعصيةٍ أو مُنكره تحذيراً منه أو تعزيراً له. وجاء في الموسوعة الجنائية الإسلامية إن المجاهر بالمعصية يجوز التشهير به؛ لأن المجاهر بالفسق لا يستنكف أن يذكر به، وهذا الشيء لا يُعتبرُ غيبةً في حقه؛ لأن مبدأ الحياء لا غيبةَ له.
مشروعية التشهير:
قال النبي عليه الصلاة والسلام لِعُبادة بن الصامت لما بعثه على الصدقة يعظهُ “اتق الله يا أبا الوليد، لا تأتي يوم القيامة ببعيرٍ تحمله على رقبتك له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثُواج. فقال عُبادة يا رسول الله إن ذلك كله كذلك؟ فقال: إي والذي نفسي بيده، إلا من رحم الله. فقال: والذي بعثك بالحق لا أولى على اثنين أبداً”.
وقد جاء في السندي: أن المراد بالعقوبة بذلك فضيحة الغال على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم، وأن الحكام أخذوا من هذا الحديث وغيره مشروعية التجريس بالجناة، أي التسميع بهم، والمراد بذلك الشيء هو تَشهيرُهم.
ونقل عن عمر بن الخطاب إنه كان يُشهر بشاهد الزور، بأن يُطاف به. وجاء أيضاً عن شريحٍ في أحكامه، وكان قاضياً على عهد عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وقال السرخسي: إن ذلك اشتهر عنه، وإن ما اشتهر من قضاياهُ مثل المروي عنهما في حكم العمل بهِ. وقد اتفق جمهور الفقهاء على اعتبار التشهير من عقوبات التعزير.
كيفية التشهير:
لقد كان شريح إذا أخذ شاهد الزور بعثَ به إلى أهل سوقه إذا كان سوقيّاً، وإلى قومه إن كان غير سوقي، بعد العصر في وقت اجتماع الناس مع من يقول: إنا وجدنا هذا شاهدَ زور، فاحذروه وحذّروا الناس منه. وقال كذلك في السارق: إن تشهيره يكون بإرادته في الأسواق، وإعلام الناس بكونه سارقاً ليَحترزوا منه، وحتى ينالهُ الخزي الكلي. وقد يكون التعزير بإركابِ الجاني دابةً منكوساً وتسويدُ وجهه، والدوران به بين الناس. وقد فعل عمر ذلك في شاهد الزور. وعللهُ ابن تيمية: بأن الكاذب قد سودَ الوجه فسودَ وجهه، وقلب الحديث فقلبَ ركوبه.
مجال تطبيق هذه العقوبة:
إن من الحالات التي قيل فيها بعقوبة التشهير هي شهادة الزور والسرقة وإفسادُ الأخلاق والجور في القضاء وتلقين الخصوم وبيع لحوم الميتة. وإننا نرى أن المجال الأساسي للأخذِ بعقوبة التشهير يكون في الجرائم التي تؤثر في الثقة بالشخص، مثل شاهدةُ الزور أو الجرائم في وقت الحرب والظروف الاستثنائية، خصوصاً ما تعلق منها بأقوات الناس. وهذا لا يمنع من فرضها في أية جريمة يرى الحاكم أن من المصلحة أن تفرض فيها، بناءً على أن التعزير عقوبةً مفوضةً.