ماذا يعني التعزير في الجريمة العمدية على ما دون النفس؟

اقرأ في هذا المقال


التعزير:

التعزير: هو ما يسمّى بالتأديب؛ وذلك لأنه يمنع ممّا لا يجوز فعله، وهو واجب في كل معصيةٍ لا حدّ فيها ولا كفارة. وإن التعزير أيضاً، يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات فمن جنس ترك الواجبات، هو من كتم ما يجب بيانه مثل البائع المدلس والمؤجر المدلس والناكح وغيرهم من العاملين ومثل ذلك الشاهد والمخبر والمفتي والحاكم وغيرهم فإن كتمان الحق مشبهٌ بالكذب وينبغي أن يكون سبباً للضمان، كما أن الكذب سببٌ للضمان، فإن ترك الواجبات عندنا في الضمان مثل فعل المحرمات، حتى ولو قلنا مثلاً لو قدر على إنجاء شخصٍ بإطعامٍ أو سقي فلم يفعل فمات ضمانه.

التعزير في الجريمة العمدية على ما دون النفس:

إن الجريمة العمدية إذا كانت على ما دون النفس، مثل أن ينتج عنها فقد عضوٍ أو إذهاب منفعةٍ، أو نتجت عنها شجةٍ أو جرحٍ. فإذا سقط القصاص بمثل العفو، أو لم يكن ممكناً لفقد شرط من شروطه، فهل يُعزر الجاني بجانب الدية أو الأرش، وهل يعزر إذا لم يكن هناك شيء من ذلك؟
تقدم القول أن مالكاً كان يرى التعزير مع القصاص في الجريمة على ما دون النفس. وهو كذلك يرى التعزير في هذا النوع من الجرائم إذا سقط عنها القصاص أو امتنع لسببٍ ما، فيكون في الجريمة التعزير مع الدية أو الأرش أو بدون الأرش وذلك تِبعاً للأحوال. ومن المثال على ذلك، أن تكون الجناية على عظم خطر، إذ العظام الخطرة لا قصاص فيها عنده، مثل عظام الصلب والفخذ والعنق، ومثل المنقلة والمأمومة وقيل أيضاً في الجائفة؛ لأنه لا يُستطاع في القصاص، وفي كل ما ذهبت منفعته بالجناية مع بقائه قائماً في الجسم وبقاء جماله.
فإذا ضرب الجاني عين المجني عليه وذهب بصرها وبقي جمالها، فلا قود فيها، ومثل ذلك اليدُ إذا شُلت ولم تبن عن جسم المجني عليه. كذلك اللسان إذا خرسَ ولم يُقطع ففي جميع هذه الحالات وما يُشابهها يُعزر الجاني مع أخذ العقل منه.
وقال ابن عمران وهو أحد فقهاء المالكية: إن التعزير إذا كان مع القصاص في هذه الجرائم، فإنه يكون دون التعزير عند سقوط القصاص أو امتناعهِ لسببٍ أو لآخر، وهذا أمرٌ عادي؛ لأن القصاص إذا كان ممكناً ففيه زجرٌ وردعٌ لا يكون في حالة سقوطه أو امتناعه، فيُلزم ان يراعي ذلك عند تعزير الجاني.
وعند الشافعية والحنفية والحنابلة فإنه يجوز التعزير، كقاعدةٍ عامة لمن تكرر منه ارتكاب الجرائم، ولم ينزجر عنها بالحدود المقدرة، وعلى ذلك فإن التعزير يجوز حتى في الجرائم التي فيها حدود مقدرة، إذا تكرر من الجاني ارتكابها، ولم تكن العقوبة المقدرة كافية للزجر، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يجوز أو يُعزر عندهم الجاني الذي تكرر منه ارتكاب الجرائم على ما دون النفس؛ لأن تكرار ارتكابها يدل على أن العقوبة المقدرة لم تردعهُ، فوجب الزيادة في العقوبة، وهذا أمرٌ تدعو إليه المصلحة.

ويرى البعض أن جواز التعزير في جرائم الاعتداء على ما دون النفس إذا سقط القصاص، وهذا لأسباب عدة منها:

  • إن الجرائم العمدية على ما دون النفس، يكون شأنها كشأن الجريمة على النفس تتضمن بجانب مساسها المباشر بالمجني عليه اعتداء على المجتمع والقصاصُ والدّية والأرش من حق المجني عليه، وهذا يُقابل المساس المباشر بالمجني عليه، أما مساس الجريمة بالمجتمع فيقابلهُ التعزير الذي هو عقوبة عامة، لا سيما إذا رؤيت فيه مصلحة.
  • ومن حق المجني عليه أيضاً في هذه الجرائم أن يعفو عن القصاص، وقد لا يكون القصاص ممكناً لفقد شرط من شروطه، ولكن الجريمة تبقى قائمةً، أما القول بعدم إمكان التعزير في هذه الحالات يترتب عليه أن يكون الجزاءُ محصوراً في الدية أو الأرش، وهذا يُغري الكثير بارتكاب هذه الجرائم، وخصوصاً إذا كان المال موجوداً.
  • وقد يترك المجني عليه الدية أو الأرش؛ لأن ذلك من حقه، كما أن هناك حالات لا يكون فيها أرش عند البعض، منهم أبو حنيفة، كأن تبرأ لجراحة أو الشجة دون أن يتخلف عنها أثرٍ ما، فإذا لم يكن التعزيرُ ممكناً في مثل هذه الحالات فإن الجاني يبقى بدون عقاب أو جزاء من أي نوعٍ كان، وهذا لا يتفق في شيء مع حسن السياسة في العقاب.

شارك المقالة: