التقادم في الدية:
التقادم لغةً: هو مصدر تقادم يتقادمُ تقادماً فهو متقادم، والمفعول مُتقادم، قال ابن فارس، القاف والميم والدال هو أصل صحيح يدل على سبق، ثم يفرّع منه ما يُقاربه، ويَقولون: القِدمُ خلاف الحدوث، ويُقال: شيءٌ قديم، إذ كان زمانه سالفاً. أي مضى زمنٌ طويل على وجود الشيء.
التقادم اصطلاحاً: إن عند البحث والاستقراء لمسائل التقادم، لم أعثر للتقادم على تعريف اصطلاحي عند الفقهاء القدامى في كتبهم، وعلى مختلف مذاهبهم، وإنما دلت عباراتهم على التقادم بمعناه اللغوي، أي مرور الزمان، ومضي العهد الطويل على الحق أو الجناية.
فالتقادم: هو مضي فترة من الزمن على وقوع الجريمة دون أن تتخذ السلطات المختصة الإجراءات القانونية لتحريك الدعوى الجنائية أو السير فيها.
وعرف أبو حشيش التقادم بقوله: هو مضي مدة زمنية مقدرة شرعاً على ترك دعوى وضع اليد، أو الإستيلاء على حق، أو على ارتكاب الجريمة دون إثباتٍ بلا مانعٌ شرعي.
شرح التعريف:
مضى فترة زمنية: ويشمل مضي جميع المدد، فيشمل سقوط الخصومة، ومُدة انقضاء الخصومة بالتقادم ومدة التقادم المسقط ومدة التقادم المكسب، ووصفت المدة بأنها معينة أي معروفة وهي المدة التي استجمعت شروط المدة المانعة في سماع الدعوى.
مقدرة: أي أنها محددة، وليست مطلقة.
شرعاً: أي أن الأصل في تقديرها وتحديدها هو الشرع.
ترك دعوى: وترك الدعوى يكون من جانب صاحب الحق، وهذا يتمثل بالجانبِ المدني من التقادم.
الجريمة: والمراد بالجريمة هنا، جرائم معينة من جرائم الحدود كالقتل والزنا والسرقة وجرائم التعزير، وهذا يمثل الجانب الجنائي من التقادم.
دون إثبات: أي قبل ثبوت الجريمة عند القاضي أو الحاكم.
بلا مانع: أي أن شرط اعتبار مدة التقادم من حيث ترتيب الأحكام الشرعية عليها، وهو وجود مانع يمنع الدعوى المدنية، أو الجنائية بعد ارتكاب الجريمة.
إن أصل التقادم في الفقه الإسلامي يقوم على أمرين:
الأول: أن يكون الزمن مؤثراً في تغيير الحكم الشرعي، بحيث يكون سبباً مباشراً لتغيير حكمه، دون أن يكون هذا التغيير قد حصل بسبب آخر، أو يُمون مرور الزمن سبباً لإسقاط حق من الحقوق.
الثاني: لا يُعد التقادم تقادماً ما مرّ عليه الزمان دون أن يتغير حكمه، مثل وجوب الصلاة على من بلغ؛ فإن حكم الوجوب لا يتغير بمرور السنين عليه.