ماذا يعني الجراح في الإسلام؟

اقرأ في هذا المقال


تعريف الجراح:

إن الشجاج نوعٌ من أنواع الجراح، ولكنها تُطلق على جراح الوجه والرأس خاصةً لدى الجمهور الفقهاء، وذلك بالإستقراءِ من كلام العرب. أما باقي جراح الجسم فهي الجراح المقصودة في هذا المقال، إذ أن الفقهاء يسمّون ما ليس فيه فصلٌ للأطراف أو فقد مَنفعتها، وما ليس من الشجاج بالمعنى السابق، ممّا أدى هذا الأمر إلى إصابات بالجسد عند الرأس والوجه جراحاً؛ وذلك لأن العرب تسمّي ما كان في سائر البدن جراحة.

أقسام الجراح:

ينقسم الجراح إلى قسمين وهما:

  • قسمٌ تنفذ الجراحة فيه إلى الجوف، ويسمى بالجائفة. والجائفةِ: هي الجراحة التي تصل إلى الجوف. وقد حدد البعض المواضع التي تنفذ منها الجائفة إلى الجوف بالصدر والبطن والظَهر والجنبين وما بين الإثنين والدبر، وأضاف آخرون ثغرة النحر والورك. وعلى كل حال، فإن العبرة بنفوذ الجراحة إلى الجوف، فما دام أنها قد نفذت إليه فإنها تُعتبر جائفةً، أما إذا لم تنفذ فلا تكون جائفة.
    وقال بعض الفقهاء إن الجائفة لا تختصُ بالبطن، لكنها تكون كذلك في الرأس، ولكن الغالب أنها لا تتحقق فيما فوق الحلق، وأن الجراحات النافذة في الرأس تُعتبر من الشجاج على ما تقدم، بشرط أن لا تذهب بالنفس.
  • أما الآخر، وهو كلُ ما عدا الجائفة من جراح الجسم، وممّا يدخل في الجراحات التي بسائر البدن، عدا ما يُعد جائفةً، الجراحات التي تكون في اللحم أو توضح عن العظم أو تكسر عظام الجسم.

القصاص في الجراح:

وقد اختلف في حكم الجراح من حيث القصاص، فهناك فريق من الفقهاء منهم أبو حنيفة يرى أنه لا قصاص في عمد الجراح، سواء أكانت جائفةً أم غير جائفة، بناءً على أنه لا يمكن فيها استيفاء القصاص على وجه المماثلة، فإذا اقتص من الجاني فلا يؤمن فيه الظلم والحيف وهو ممنوع؛ لأن القصاص يستوجبُ التساوي.
ويرى فريقٌ آخر من الفقهاء، منهم الشافعي وأحمد بأنهُ يجب القصاص في كلِ جرح ينتهي إلى عظمٍ مثل الموضحة، وكذلك كالجراح في العضد أو الفخذ أو الساق أو القدم، وهذا لقول الله تعالى: “والجُرُوحُ قَصاصٌ” المائدة:45. وعلى ذلك يجب القصاص في كل جرح يمكن اسيفاؤهُ من غير زيادة كالموضحةِ في الرأس والوجه.
ويرى بعض أصحاب الشافعي أنه لا قصاص في هذه الجروح؛ لأنه ليس فيها أرشٌ مقدر كما في موضحة الرأس والوجه، ولكن هذا القول غيرٍ سديد، لمعارضة هذه الآية، ولأنه يمكن فيها الإستيفاءُ من غير حيفٍ أو ظلم، لانتهائها إلى عظم، وهو حدٍّ معلوم يمكن الوقوف عنده، فأشبهت الموضحة، فضلاً عن أن التقدير في الموضحة لكثرة شينها وشرف محلها، ولهذا قدر ما فوقها من الشجاج في الرأس والوجه، مع أنه لا قصاص فيها عند جمهور الفقهاء.

الأرش في الجروح:

إذا امتنع القصاص لعدم إمكان استيفاءُ المثل، أو لفقد أي شرطٍ من شروطه، أو سقط بالعفو عنه ممّن يملك هذا العفو، أو كانت الجريمة خطأ، فإنه يجب الأرش. وهو يختلف باختلاف الجروح، فقد يكون الجرح جائفةً، وقد يكون غير جائفة. فإن كان جائفة فيجب فيها ثلث الدّية، لقول الرسول صلّى الله عليه وسلم: “إن في الجائفة ثلث الدّية”.
وإذا نفذت الجائفة إلى الجانب الآخر فإنها تُعتبر جائفتينِ، ويجب فيها بناء على ذلك ثُلثا الدية؛ لأن في كل جائفة الثلث. وهذا هو قول أكثر الفقهاء، منهم مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي، وحكى عن بعض أصحاب الشافعي أنه قال:هي جائفةً واحدةً؛ لأن الجائفة هي ما نفذت من ظاهر البدن إلى الباطن، أما التي نفذت من جانب إلى جانب، فإنها تكون قد خرجت من باطن البدن إلى ظاهره فلا تكون جائفةً، ويكون في الداخلة ثلث الدية، وفي الخارجة حكومة؛ لأن ليس فيها تقدير ما دام أنها لا تُعتبر جائفة.
ويعتمدُ من يرى الجائفة التي نفذت إلى الجانب الآخر جائفتانِ على حجج، وهذا ما رواه سعيد بن المسيب أن رجلاً رمى آخر بسهم فنفذ إلى الجانب الآخر، فقضى أبو بكر رضي الله عنه في ذلك بثلثي الدية، ولم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك فصار إجماعاً، وما روى عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الجائفة إذا نفذت إلى الجانب الآخر بأرش جائفتينِ؛ لأن الجائفة النافذة إلى الجانب الآخر ليست إلا جائفتينِ، كما لو كانت بضربتين، والعبرة بوصول الجرح إلى الجوف لا بكيفية إيصاله، ولا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى. أما ما عدا الجائفة من جراح البدن فليس فيها تقدير للأرش، فتجب فيها جميعاً الحكومة، وهي الأرش غير المقدر.


شارك المقالة: