تقارب الزمان:
إنّ تقارب الزمان هي ظاهرة من ظواهر علامات الساعة الصغرى. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:”لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان” صحيح البخاري. وعنه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تقوم الساعة حتى يتقاربّ الزمان، فتكون السنة كالشهرِ، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السّعفة” مسند أحمد. وللعلماء أقوالٌ في المراد بتقارب الزمان منها:
1. والذي يُراد بتقارب الزمان هي قلة وجود البركة فيه. فقال ابن حجر: قد وُجد في زماننا هذا، فإننا نلاحظ من سرعة مرّ الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي سبقَ عصرنا هذا. فتح الباري.
2. إن مايراد بهذا الأمر هو ما يكون في زمان المهدي وعيسى عليه السلام؛ ومن استلذاذ الناس للعيش، وتوفير الأمن، وغلبة العدلِ، وذلك أن الناس يَستقصرون أيام الرخاء حتى وإن طالت، وتطول عليهم مدّة الشدّة وإن قصرت.
3. والمقصود هنا أيضاً تقارب أحوالِ أهله في قلة الدين، حتى لا يكون منهم من يأمر بمعروفٍ، وينهي عن منكرٍ؛ وذلك لغلبة الفسق، وظهور أهله، وذلك عند الابتعاد طلب العلم خاصة، والرّضى بالجهل وهذا؛ لأن أغلبية الناس لا يتشابهون في العلم، فدرجاتُ العلم في هذا الزمان تتفاوت؛ كما قال الله تعالى:” وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ” يوسف:76. وإنما يتشابهون إذا كانوا جُهالاً.
4. أن المراد تقارب أهل الزمان بسبب توفّر وسائل الاتصالات والمراكب الأرضية والجوية السريعة التي قرّبت البعيد.
5. أن المراد بذلك أيضاً هو قصر الزمان، وسرعته سرعةً حقيقية، وكل ذلك يأتي في آخر الزمان. وهذا لم يحصل إلى هذا الوقت، والذي يؤيدُ ذلك أيضاً ما جاء بأن أيام الدّجال تطول حتى يبلغ اليومِ كالسنةِ وكالشهرِ وكالجمعةِ في الطول، فكما أن الأيام تطول؛ فإنها تقصر، وذلك بسبب اختلال نظام العالم، وقُرب زوال الدنيا.
قال ابن أبي جمرة: ويُحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان قصرهُ على ما وقع في حديث:”لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر، وعلى هذا؛ فإن القصر يُحتمل أن يكون حسيّاً ويُحتمل أن يكون معنوياً.
أما الحسي، فلم يظهر بعدُ، ولعله يكون من الأمورِ التي تكون قُرب قيام الساعة.
وأما المعنوي، فله فترة منذ ظهر؛ يعرفُ ذلك أهل العلم الديني ومن له فطنة من أهل السبب الدّنيوي؛ فإنهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم أنّ يبلغَ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك، ويشكون ذلك، ولا يدرون ما العلّة فيه، ولعل ذلك يكون بسبب ما وقع من ضعفِ الإيمان؛ لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه، وأشدّ ذلك الأقواتِ، فإن فيها من الحرام المحضّ ومن الشبه ما لا يخفى، حتى إن كثيراً من الناس لا يتوقّف في شيء، ومهما قدر على تحصيل شيء؛ هجم عليه ولا يبالي.
والواقع الذي يعيشهُ الإنسان يدل على أن البركة في الزمان وفي الرزق وفي النبت وإنما تكونُ من طريق قوة الإيمان، واتّباع الأمر، واجتناب النهي، والشاهدُ لذلك قوله تعالى:”وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ“. الأعراف:96.