اقرأ في هذا المقال
سراية الجرح إلى النفس:
إذا سرى الجرح إلى النفس، إما أن يكون الجاني متعدياً بفعله أو غير متعديٍ؛ وذلك بأن كان فعله مباحاً أو مأذوناً فيه.
السراية إلى النفس من فعل التعدي:
فإذا جنى شخص على ما دون النفس عمداً عدواناً بغير وجهٍ حق فسرى الجرح إلى النفس، فعليه القصاص؛ كما لو قطع يد إنسان فمات، أو شجهُ موضحةً أو آمةً أو جائفةً فمات؛ لأنه لما سرى بطل حكم ما دون النفس وتبين أن الفعل وقع قتلاً من حين وجوده.
السراية إلى النفس من فعل مباح أو مأذون فيه:
الفعل المباح: وهو مثل الجناية على المرتد.
الفعل المأذون في إتلافه: مثل الجناية على المحكوم عليه بالقتل قصاصاً، أو الجناية على يد السارق، أو تأديب الزوج زوجته والأب لصغاره والمعلمُ لطلابه. فإذا جنى شخصٌ على ما دون النفس ولم يكن متعدياً بفعله، بأن كان فعلهُ مباحاً أو مأذوناً في إتلافه، ففي هذه الحالة يُفرق بين ما إذا كان المأذون فيه أو المباح النفس أو ما دونها:
– إن كان المأذون فيه أو المباح النفس، مثل الجناية على المحكوم عليه بالقتل قصاصاً أو الجناية على المرتد، فسرى الجرح إلى النفس فلا على الجرح بالاتفاق للشبهة، وعليه دية النفس.
– إذا كان المأذون فيه أو المباح دون النفس؛ مثل قطع يد السارق أو قطع عضو من الجاني قصاصاً فسرى الجرح إلى النفس، أو تأديب الزوجة والصغار، فسرى الجرح إلى النفس، فقد اختلف الفقهاء في تفصيل ذلك.
1. سراية القود:
إذا اقتص شخص من طرف الجاني قصاصاً أو حداً فسرى القصاص إلى نفس الجاني، فالعلماء على مذهبين:
المذهب الأول: لا مسؤولية على المقتص. وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي وأبي يوسف ومحمد.
أدلة أصحاب هؤلاء المذهب: لقد استدل أصحاب المذهب المذهب الأول القائلين عدم مسؤولية المقتص عن الجرح الناشئ عن سراية القود بالأثرِ والمعقول. أما الأثر وهو قضاء عمر وعلي رضي الله عنه، فقد روي أنهما قالا: من مات من حدٍّ أو قصاص لا دية له الحق قتله. أما من المعقول: لأنه قطع مستحق مقدر فلا تضمن سرايته كقطع يد السارق، فإذا لم تضمن سرايته في السرقة فلا تضمن في القصاص. ولأن السراية من فعل مأذون فيه ولا عقوبة عليه وما تولد عن المأذون فيه يُعتبر مأذوناً فيه ضمناً كمن قال لغيره اقطع يدي أو قال من عليه القصاص لمن له القصاص اقطع يدي قصاصاً فقطع وسرى، فلا يتصور أن يكون ابتداء الفعل غير مضمون وسِرايته مضمونة.
المذهب الثاني: يضمن ديته. وهو مذهب أبي حنفية.
أدلة أصحاب هذا المذهب: لقد استدل أصحاب المذهب الثاني على وجوب ضمان المقتص في سراية القود بالمعقول:
لأنه استوفى غير حقه؛ لأن حقه في القطع فقط وهو قد أتى بالقتل الذي هو اسم لفعل يؤثر في فوات الحياة عادة، وقد وجد فيضمن كما لو قطع يد إنسان ظلماً فسرى إلى النفس، إلا أن القصاص سقط للشبهة فتجب الدّية باستثناء الغمام أو نائبه فإن فعلهُ يُعد قتلاً إلا أنه لا ضمان عليه للضرورة؛ لأن إقامة الحد واجبٌ عليه وليس في وسعه التحرز من السراية فلو وجب عليه الضمان لامتنع الأئمة من إقامة الحدود، فتتعطل وتؤدي إلى الإخلال بالنظام العام.
والأغلبية يميلون إلى الرأي الثاني، وذلك لقوة دليله، ولأنه أقرب إلى العدل؛ إذ إن فيه حفظاً لحق المجني عليه وضماناً بعدم التعدي في استيفاء القصاص ومنعاً للاستهانة به، أما قضاء عمر وعثمان بعدم مسؤولية المقتص رضي الله عنهم يُحمل على الإمام أو نائبة حفاظاً على النظام العام.
2. التأديب ويشمل:
– تأديب الزوجة:
اتفق العلماء على أن للزوج تأديب زوجته للنشوز استناداً إلى الإذن الشرعي في قوله تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ” النساء34. واتفقوا أيضاً على أن الزوج إذا خرج عن حد الإذن الشرعي بأن أسرف في التأديب وزاد على ما يحصل به المقصود، أو ضرب امرأة لا عقل لها فإنه يضمن الدّية، لكنهم اختلفوا فيما إذا ضرب الرجل زوجته تأديباً في حدود الإذن الشرعي، فأدى إلى الجرح أو القطع فسرى إلى النفس، هل يضمن الزوج ما ترتب على الفعل أم لا؟ للعلماء في ذلك مذهبان:
المذهب الأول: لا يضمن الزوج ما يترتب على الفعل من موت أو قطع أو جرح. وهو مذهب المالكية والحنابلة. أدلة أصحاب المذهب الأول بالمعقول؛ وذلك لأنه فعلهُ مأذون فيه شرعاً وما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون.
المذهب الثاني: يضمن الزوج ما يترتب على الفعل بالدية. وهو مذهب الحنفية والشافعية. واستدل أصحاب المذهب الثاني بالمعقول؛ لأن الضرب مأذونٌ فيه لحق الزوج وليس واجباً عليه، وما كان فيه الإذن فهو مقيد بشرط السلامة.
وبعد الاطلاع على مصادر الفقه الإسلامي في حدود الإذن الشرعي للضرب الموجب للتأديب، فقد تبين أن الضرب المأذون شرطهُ ألا يكون مُبرحاً ولا مُدمياً ولا مُزمناً ولا مُشيناً، وبالتالي فإن الزوج إذا ضرب زوجته تأديباً فأدى الضرب إلى الجرح أو القطع فسرى يكون حينها قد خرج عن حدود الإذن الشرعي فيضمن ديتها باتفاق العلماء.
– تأديب الصغار:
اتفق العلماء على أن للمربي أباً أو وصياً أو معلماً أن يقوم من تحت يده وله أن يضربه على ذلك مع مراعاة الحد الذي يحصل به الأدب وتجنب المواضع المخوفة من البدن. واتفقوا كذلك على عدم وجوب القصاص على المؤدب فيما ينتج عنه الضرب في الأدب من قتل أو قطع أو جرح، وذلك لوجود الإذن في الجملة.