شهر رمضان:
فهو شهر عظيم، وموسم كريم ، شهر تضاعف فيه الحسنات ، وتعظّم فيه السيئات ، وتفتح فيه أبواب الجنات ، وتقفل فيه أبواب النيران ، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات .
فقال الله تعالى:(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)”البقرة 185″. هذا الشهر المبارك موسم عظيم للخير والبركة والعبادة والطاعة .
كيف نستعد لرمضان؟
إنَّ الاستعداد في رمضان يكون بمحاسبة النفس على تقصيرها في تحقيق الشهادتين أو التقصير في الواجبات أو التقصير في عدم ترك ما نقع فيه من الشهوات أو الشبهات ..
فيُقوّم العبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان، فالإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فأول طاعة يحققها العبد هي تحقيق العبودية لله وحده وينعقد في نفسه ألّا معبود بحق إلّا الله ، فيصرف جميع أنواع العبادة لله لا يشرك معه أحداً في عبادته، ويستيقن كل منّا أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن كل شيء بقدر .
ونمتنع عن كل ما يناقض تحقيق الشهادتين وذلك بالابتعاد عن البدع والإحداث في الدين، وبتحقيق الولاء والبراء ، بأن نوالي المؤمنين ونعادي الكافرين والمنافقين، ونفرح بانتصار المسلمين على أعدائهم ، ونقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ونستن بسنته صلى الله عليه وسلم وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ، ونحبها ونحب من يتمسك بها ويدافع عنها في أيِّ أرض وبأي لون وجنسية كان .
بعد ذلك نحاسب أنفسنا على التقصير في فعل الطاعات كالتقصير في أداء الصلوات جماعة وذكر الله عز وجل وأداء الحقوق للجار وللأرحام وللمسلمين وإفشاء السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق ، والصبر على ذلك، والصبر عن فعـل المنكرات، وعلى فعل الطاعات، وعلى أقدار الله عز وجل .
ثم تكون المحاسبة على المعاصي واتباع الشهوات بمنع أنفسنا من الاستمرار عليها ، أي معصية كانت صغيرة أو كبيرة سواءً كانت معصية بالعين بالنظر إلى ما حرّم الله أو بالسّماع للمعازف أو بالمشي فيما لا يرضي الله عز وجل ، أو بالبطش باليدين في ما لا يرضي الله ، أو بأكل ما حرّم الله من الرِّبا أو الرشوة أو غير ذلك ممّا يدخل في أكل أموال الناس بالباطل .
ويكون نصب أعيننا أنّ الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وقد قال سبحانه وتعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين . والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلّا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين)”البقرة133-136″.
وقال تعالى : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنّه هو الغفور الرحيم)“الزمر35”. . وقال تعالى 🙁 ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً)“النساء110” .
فبالمحاسبة وبالتوبة والاستغفار يجب علينا أن نستقبل رمضان،” فالكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني”.
إنَّ شهر رمضان شهر مغنم وأرباح ، والتاجر الحاذق يغتنم المواسم ليزيد من أرباحه فاغتنموا هذا الشهر بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن والعفو عن الناس والإحسان إلى الغير والتصدُّق على الفقراء .
وفي شهر رمضان تفتح أبواب الجنَّة وتغلق أبواب النار وتصفَّد فيه الشياطين وينادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر.
فكونوا عباد الله من أهل الخير متبعين في ذلك سلفكم الصالح مهتدين بسنَّة نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى نخرج من رمضان بذنب مغفور وعمل صالح مقبول.
فقال ابن القيم : أي المُفاضلة بين ما خَلَق الله تعالى؛ تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل عُشرهُ الأخير على سائر الليالي. فحديث ابن القيم: يدل على أنّ شهر رمضان هو خير الشهور.
فضل شهر رمضان:
وفُضّل هذا الشهر على غيره من الشهور لأربعة أمور :
- فيه خير ليلة من ليالي السّنة، وهي ليلة القدر . قال تعالى:( إنّا أنزلناه في ليلة القدر .وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر . تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر)”سورة القدر” . فالعبادة في هذه الليلة خيرٌ من عبادة ألف شهر.
- أُنزلت فيه أفضل الكتب على أفضل الأنبياء عليهم السلام. قال تعالى:(شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان)“البقرة 158” . وقال تعالى:(إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنا منذرين .فيها يُفرق كل أمر حكيم . أمراً من عندنا إنّا كنا مرسِلين)“الدخان 1-2 “.
وروى أحمد والطبراني في معجمه الكبير عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال :(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان ، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان)”حسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة”.
- هذا الشهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب جهنم وتُصفَّد الشياطين:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين)“متفق عليه”.
وروى الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في رواية 🙁 إذا كان أول ليلة في شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومَرَدَة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرِّ أقصر . ولله عُتقاء من النار وذلك كل ليلة )”وحسّنه الألباني في صحيح الجامع”.
فإن قيل : كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً ، فلو صُفِّدت الشياطين لم يقع ذلك ؟
فالجواب : أنها إنّما تَقِل عن الذي حافظ على شروط الصيام وراعى آدابه .
أو أنَّ المُصفَّد بعض الشياطين وهم المَرَدة لا كلُّهم، أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس ، فإنَّ وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأنَّ لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإِنسية . “كتا ب الفتح”.
- فيه كثير من العبادات، وبعضها لا توجد في غيره، كالصيام والقيام وإطعام الطعام والاعتكاف والصّدقة وقراءة القرآن وغير ذلك.
فيه كثير من العبادات ، وبعضها لا توجد في غيره كالصِّيام والقيام وإطعام الطعام والاعتكاف والصَّدقة وقراءة القرآن .