الاعتكاف:
الاعتكاف: هو قطع العلائق الشاغلة عن طاعة الله وعبادتهِ، وهو مشروعٌ في رمضانَ وغيرهِ كما تقدَّم، ومع الصيام أفضل، وإن اعتكف من غير صوم فلا بأس، وعلى الصحيح من قولِ العلماء؛ لِمَا ثبت في الصحيحينِ عن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: يا رسول الله إنّي نذرتُ أن اعتكف ليلةً في المسجد الحرام، وكان ذلك قبل أن يسلم، فقال له النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ:(أوفِ بنذرك)“رواه البخاري”.
أهم آداب الاعتكاف:
للاعتكاف آداب يُستحبُ للمُعتكِف أن يأخذ بها؛ حتى يكون اعتكافهُ مُقبولاً، وكلَّما حافظ عليها المُعتكِف كان لهُ الأجر الجزيل من رب العالمين، وكلَّما أخلَّ بهذه الآداب نقص أجرُهُ.
ومن آداب الاعتكاف مايلي:
- يُستحبُّ للمُعتكِف التَّشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وبذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة، ويجتنب ما لا يعينهِ من الأقوال والأفعال، ولا يُكثر الكلام؛ لأنَّ من كثرُ كلامُهُ كثر سقطهُ، وفي الحديث” من حسن إسلام المرء تركهُ ما لا يعنيهِ”.
- ويجتنب الجدال والمراء والسِّباب والفحش فإنَّ ذلك مكروهٌ في غير الاعتكاف ففيهِ أولى، ولا يبطلُ الاعتكاف بشيءٍ من ذلك، ولا بأس بالكلام لحاجة ومحادثة غيره، روى الشيخان إنَّ صفية زوج النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ جاءت تزورهُ في اعتكافه في المسجد، وفي العَشْر الأواخر من رمضان، فتحدَّثت عندهُ ساعة، ثمَّ قامت تنقلب، فقام النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أمِّ سلمة، فمرَّ رجلانِ من الأنصار، فسلَّما على رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فقال لهما النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ:”على رسلكما، إنَّما هي صفية بنت حيي”، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكبُرَ عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ) وفي لفظ ( يجري من الإنسان مجرى الدم )، ( وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ) وفي لفظ: ( شرّاً ) .
- ينبغي على المُعتكِف أن يُخلص نيتَهُ لله تبارك وتعالى، فالعمل بدون إخلاص هباءً منثوراً لا ينفع صاحبهُ عند الله تعالى.
عن أَبِي أمامة البَاهِلِي رضي الله عنه، أنَّ رَسول اللَّهِ صلَّى اللَه علَيه وسلَّم قال:( إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْههُ)“رواه النسائي والطبراني وقال عنه الألباني: حسن صحيح”. - ينبغي على المُعتكِف أن يجتهد في قيام ليالي العشر الأواخر من رمضان، فعن أَبِي هريرة أَن رسول اللَّه ــ صلَّى اللَّهُ علَيه وسَلَّمَ ــ قال:( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)“رواه البخاري ومسلم”.
كما أنَّ في هذه الأيام ليلة القدر، فقال تعالى:(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)“سورة القدر3”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال:(ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفرَ لهُ ما تقدَّم من ذنبهِ) “رواه البخاري ومسلم”.
فيجدر بالمُعتكِف أن يشتغل بما لأجله شُرِعَ الاعتكاف من الطاعات، والقربات، والصلاة، والذكر، والدعاء والاستغفار، وقراءة القرآن الكريم.
بل إنَّ بعض المالكية والحنابلة كرهوا للمُعتكِف الاشتغال بتدريس العلم والمناظرة وكتابة الحديث ومجالسة العلماء ونحو ذلك، فهذه العبادات بالرغم من درجتها العالية، إلّا أنَّ الأفضل في الاعتكاف الانشغال بالصلاة والذكر والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن والتفكر بالله تعالى والخلوة به. - أن يجتنب المُعتكِف المعاصي والذنوب والآثام، وأن يبتعد عن المراء والجدال وفحش الكلام والغيبة والنميمة، وأن يتوب لله تعالى توبة نصوحةً، فإن وقع المُعتكِف في الغيبة والنميمة ونحوهما، أُثِمَ ونَقُصَ أجرُهُ على قول جمهور العلماء، وأفتى المالكية ببطلان اعتكافهِ.
محظورات الإعتكاف:
- – الخروج من المسجد: يبطل الاعتكاف إذا خرج المُعتكِف من المسجد لغير حاجة؛ لأنَّ الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ لم يكن يخرج من المسجد إلَّا لحاجة الإنسان، وهي حاجته إلى الطعام، إن لم يكن بالإمكان أن يُؤتى إليه بالطعام، كما كان يُؤتى بطعام رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلى المسجد إذ يقول ( سالم ) : ” فأمَّا طعامُهُ وشرابُهُ فكان يُؤتى بهِ إليهِ في معتكفهِ) . وكذلك خروجهِ للتَّطهُّر من الحدث الأصغر، والوضوء لحديث عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: ( وإن كان رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجّله، وكان لا يدخل البيت إلَّا لحاجة إذا كان مُعتكفاً ) فتح الباري .
2. – مباشرة النساء: ومنها الجماع ، فهذا الأمر يبطل الاعتكاف، لورود النهي عنهُ صريحاً في قوله تعالى: ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) سورة البقرة “187”.
3. الحيض والنفاس: فإذا حاضتِ المرأة المُعتكفة أو نفست وجب عليها الخروج من المسجد، وذلك للمُحافظة على طهارة المسجد وكذلك الجنب حتى يغتسل.
4. – قضاء العدَّة: وذلك إذا توفي زوج المُعتكفة وهي في المسجد وجب عليها الخروج لقضاء العدَّة في منزلها.
5. هـ- الردّة عن الإسلام: حيث إنَّ من شروط الاعتكاف الإسلام، وإنه يبطل اعتكاف المُرتدِّ.