اقرأ في هذا المقال
جرائم الاعتداء على العرض وإفساد الأخلاق:
إن مثل هذه الجرائم تأتي على عدة أشكال، منها ما دون الوقاع من أفعال، ومنها ما يسمّى بالفعل الفاضح وإفساد الأخلاق ومنها الاستمناء، وسنذكر في هذا المقال كل واحدةٍ منهما. والفساد الأخلاقي يعني فقد جميع القيم والمبادئ الأخلاقية، وهي عبارة عن ظاهرة خطيرة جداً، تؤدي إلى ظلال الأفراد والدولة والمجتمع.
ما دون الوقاع من أفعال:
إن كل ما دون الوقاع من الأفعال التي تمس العرض، تُعتبر في الشريعة الإسلامية من المعاصي التي ليست فيها عقوبات مقدرة، فإنه يجب فيها التعزير. وعلى ذلك فإن الوطء فيما دون الفرج، مثل أن يكون في البطن ونحو ذلك، فإنه يُعتبر من المحرمات التي لا تقدير للعقوبةِ فيها، فيكون فيه التعزير. وكذلك إذا أخذ الرجل وقد أصاب من المرأة كل محرم غير الجماع، فإنه يُعزر على هذه الجريمة، ويعزر كذلك كل من عانق امرأةً أجنبية أو قَبَلها.
فمثل هذه الجرائم وأمثالها وقعت مباشرة على جسم المجني عليه وعرضه ولحقت بما يُعد من العورات، ولا يمكن أن يُقال إن تقبيل امرأة بوجهها لا يُعتبر كذلك ما دامت تمشي سافرة الوجه بين الرجال، والتي لم يخطر لها يوماً ما أن في تقبيلها في وجنتيها إخلالاً بحيائها العرضي، واستطالة على موضعٍ من جسمها، تعده هي ومثيلاتها من العورات التي تحرصُ على سترها، وإن هذا الفعل لا يخرج بناء على ذلك عن أن يكون فعلاً فاضحاً ومخلاً بالحياء، ذلك لأن الوجه يُعتبر في الشريعة الإسلامية من العورات التي يجب سترها عند الجمهور، وعلى ذلك فإن تقبيل الوجه يدخل في مبدأ هتك العرض.
ويوجد فرق مهم بين هذا النوع من الجرائم، وبين جرائم هتك العرض في التشريعات الوضعية الحديثة، وهو أن الشريعة الإسلامية لا تشترط القوة أو التهديد، ولا تعتبر ذلك ركناً في الجريمة؛ لأنها من الجرائم الماسة بحقوق المجتمع عامةً، والتي يجب العقاب فيها حقاً لله تعالى. وذلك على حين أن القوة أو التهديد من أركان جريمة هتك العرض في التشريع الجنائي إذا لم يكن المجني عليه صبياً أو صبيةً في سنٍ معينة.
الفعل الفاضح:
إذا لم يصل الفعل الذي ارتكبه الجاني إلى درجة الأفعال التي سبق ذكرها، والتي تمس العورات في الإنسان وتقع على العرض، كأن يكون الفعل العمدي المرتكب مخلاً بالحياء، يخدش في المرء حياء العين، والأذن ليس غير، أو يقع على جسم المجني عليه، لكنه لا يبلغ من الفحش درجةً تستوجب عدهُ من قبيل هتك العرض، فهو يُعتبر فاضحاً في الاصطلاح التشريعي، ولما كان هذا يُعتبر معصيةً ليست فيها عقوبةً مقدرة، فإنه يستوجب التعزير في الشريعة الإسلامية، سواء أكان قد ارتكب علانية أم في غير علانية. ومن الأمثلة على ذلك، هو أن يكشف رجل عن عورته لآخر، فإن في مثل هذا الفعل معصيةً ليست فيها عقوبةً محددة، ويُعتبر هذا مخلاً بالحياء، يخدش حياء العين، فيستحق التعزير.
إفساد الأخلاق:
إن كل ما من شأنه إفساد الأخلاق يُعتبر في الشريعة الإسلامية من المعاصي التي ليست فيها عقوبات مقدرة، فيتوجب هنا التعزير. ومن المثال على ذلك هو أن يخدع رجل صبية ويذهب بها إلى مكانٍ آخر مجهول، فإنه يُعزر على هذه الجريمة التي ليست فيها عقوبةً مقدرة، إلا أن يكون قد ارتكب معها جريمة أخرى فيها حد معين فيؤخذ به، وإذا خدع رجل امرأة أخرى أو طفلةً صغيرة وأخرجها من منزل أبيها أو زوجها وزوجّها من شخصٍ آخر، فإنه يُعزر لارتكابه معصيةً ليست فيها عقوبة مقدرة، كما يُعزر من دخل بيت امرأة برضاها، ويشدد في تعزيره إذا تكرر منه ذلك الفعل، وتُعزر المرأة أيضاً؛ لأنها أدخلت أجنبياً عليها؛ وذلك لأن هذه الأفعال تعتبر من المعاصي التي ليس فيها حدّ مقدر من الشارع.
الاستمناء:
ومثل هذا الفعل يُعتبر معصية، ولما كان الشارع لم يحدد له عقوبته، فإن الجاني يُعزر عليه. وقد ورد مع ذلك في كشاف القناع أن يُباح للضرورة، فلا يكون فيه تعزير، أما إذا لم تُدفع له ضرورة، فإنه محرم، ويُعزر الفاعل؛ لأن الفعل يُعد معصيةً لقول الله تعالى: “والذينَ هُم لفُرُوجِهم حَافِظُونَ” المؤمنون:5. وجاء أيضاً بأن حكم المرأة في ذلك كحكم الرجل، فقد تستعمل شيئاً مثل الذكر، ويحتمل المنع وعدم قياس المرأة على الرجل في هذا الأمر. كما أن استمناء الرجل إذا كان بيد زوجته فإن له ذلك؛ لأنه يأتي بديل تقبيلها.