ما هي فوائد الحج والعمرة؟

اقرأ في هذا المقال


فوائد الحجّ والعمرة:

لقد فرض الله تعالى العبادات على عباده المؤمنين؛ امتحاناً لطاعتهم، وإظهاراً لعبوديتهم وشكرهم، وتحقيقاً لمصالحهم ومنافعهم العاجلة والآجلة فى الدنيا والآخرة، وقد أشار الله عز وجل عند ذكر الحج فى القرآن الكريم إلى وجود منافع للناس وفوائد لهم فيه قال الله تعالى :”لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ” الحج:28.
قال ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير هذه الآية: أن المقصود بها منافع الدنيا والآخرة. فمنافع الدنيا هي: ما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات، أما منافع الآخرة هي: رضى الله تعالى على عبده المسلم . وعندما نفصّل قول ابن عباس رضى الله عنهما، نجد أن الله عز وجل فرض الحج والعمرة على المسلمين لِحِكَم وفوائد عظيمة تشمل فى نفعها الفرد والمجتمع، وتجمع فى خيرها سعادة الدنيا والآخرة.

الفوائد التى تعود على الفرد المسلم:

من أهم الفوائد التي تعود على الفرد المسلم هي كالآتي:

1- تجديد ذكر الله تعالى وتقويّة صلة المحبّة التى تربط المسلم بربه عزوجل، فالتلّبية والدعاء هما عبارةٌ عن ترجمة لما فى النفس من حنين ومناجاة للخالق العظيم، كما أن التذلل والخشوع وترك محظورات الإحرام ما هو إلا تعبيرٌ صادق وحقيقي عن لذة القرب من الله، والعبوديّة الحقة له، وإطراح ما عداه من مشاغلُ الحياة والأحياء.
2- إنّ تأدية مناسك الحجّ تُذكّر المسلم باليوم الآخر؛ حيث يَحشر الله الناس جميعاً للحساب والجزاء؛ لأن الحجّ مشهد مُصغّر عن ذلك اليوم العظيم، وارتداء الثياب البيضاء كالأكفان، فتهزه من أعماقه، وتُذكّره بالموت وما بعده وتوقظه من سباته وغفلته.
3- وفى هذه العبادة يتعرّض المسلم لنيل رحمة الله تعالى، والحصول على رضاه ومغفرته، ويعود إلى موطنه الذى خرج منه نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه، وهذه البراءة من الآثام تجدد فى نفس المسلم العزيمة، والأمل فى تحقيق الاستقامة، وتُبعد عن المسلم الحاج اليأس والقنوط والإستمرار فى الضياع والبعد عن الله عز وجل.
ففى صحيح البخارى عن أبى هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”.
4- يتعلّم المسلم فى الحجّ دروس التضحية والبذل شكراً لله تعالى، فتراه يُجهد نفسه، وينفق ماله فى طاعة ربه، ويترك أهله ووطنه ويتحمل مشاق السفر والغربة، للتقرب منه، والحصول على زيادة نِعمه، فمن المعلوم أن كل أمةٍ يبخل أفرادها بالبذل والعطاء، ويحجمون عن التضحية بالمال والنفس فى سبيل الله، فلا يمكن أن تنتصر فى معارك الجهاد، ولا يكون لها مستقبل زاهر أو حاضر رغيد، بل أنها تُصبح عُرضة لنزول سخطِ الله عز وجل وعذابه عليها، وابتلائها بالخضوع وأيضاً الذُل لأعدائها.
5- ويتلقّى المسلم فى موسم الحجّ التدريب العلمي والعملي؛ ليكون مجاهداً قوياً فى سبيل الله تعالى، فيتعلّم النظام والصبر، والتواضع والتسامح، وحسن المعاشرة، وطيب الملاطفة، ومراقبة الله عز وجل، وما أروعها من دورة تربوية وثقافية تستمر مدة إتمام المناسك ويتولّى القيادة والتنظيم فيها قوة ربانية، تدخل إلى القلوب والضمائر والنفوس، فلا يبقى فيها إلا الإخلاص والخير والصفاء، ولا يصدر عنها إلا السمع والطاعة والسلام.

الفوائد التى تعود على المجتمع الإسلامى :

أما الفوائد التي تعود على المجتمع الإسلامي وهي:

1- وصل حاضر الأمة بماضيها وربط المسلمين بتاريخ هذا البيت العتيق: فالذى يجدون عنده أصلهم العريق الضارب فى أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فكل موقف من مواقف الحج مرتبط بحدث يثير فى مشاعر الحجاج الكثير من الذكريات، وكل ذرةٍ من تراب تلك الأرض الطيبة، توقظ فى النفس الأحاسيس، والصور، والمشاهد التاريخية، فترفّ فى أجواء الأماكن المقدسة كالأطياف، فهذا هو طيف ابراهيم أبو الأنبياء يودع عند البيت ابنه اسماعيل مع أُمُه هاجر، كما أنه يتوجّه إلى الله بالدعاء أن يكلأهم بحفظه ورعايته، وطيف هاجر، وهى تطلب الماء لطفلها اسماعيل الرضيع، وتسعى بين الصفا والمروة تنظر بلهفة وضراعة إلى الأفق البعيد، وفى منى عند الجمرات يطل طيف إبراهيم وهو يعارض الشيطان، ويخالف أوامره، ويرجمه بالحصاء ويقبل على امتثال أمر ربه، وينفذ ما أوحاه إليه فى رؤياه من ذبح ابنه، وعند الكعبة المشرفة يطل طيف إبراهيم عليه السلام من جديد وهو يرفع بناء البيت مع ابنه إسماعيل، ثم يقف لينادى الناس فى شتى أرجاء الأرض، ويدعوهم للحج.
فعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم  طفولته، وهو يدرج فوق هذا التراب الطاهر يتيماً تحفظه عناية الله تعالى وترعاه، ثم خطواته المباركة على طريق الرسالة الإلهية، يدعو قومه ويبلغهم أوامر ربهم ونواهيه، ويصبرعلى عنادهم، ويجاهد وينتصر، ويحجّ ويعتمر، ولا يغيب عن بصيرة الحاج ذلك الموقف الرائع، الذى وقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عرفات فى حجّة الوداع، وهو راكبٌ على ناقته، يخطب الناس ويعظهم، ويقرر لهم مبادئ الحياة العادلة، والأُخوة الصادقة، ويحذّرهم من العودة بأقوالهم وأفعالهم إلى مساوئ الجاهلية وظلامها.
فسيرة النبى صلى الله عليه وسلم  وحياته بين أصحابه الكرام، تكاد أن تراها العين، وتسمعها الأذن بسبب استغراق الحجاج فى مراجعة تلك الذكريات الجميلة.
2- تحقيق المساواة بين الناس جميعاً: رغم إختلاف أجناسهم وألوانهم، وتباين ألسنتهم، وتباعد بلادهم، فهذه الفوارق والإختلافات تذوب هناك وتسقط، فلا يبقى لها أثر، فجميع المسلمين ربهم واحد، وخالقهم واحد، وكلهم من آدم، وآدم من تراب، وهاهم لبسوا جميعاً الثياب البسيطة البيضاء، وخضعوا لحكم الله فى نظام فريد.
3- توحيد كلمة المسلمين: وجمع شملهم، فيلتقون فى مكة المكرمة تحت راية واحدةٍ وهى راية التوحيد، ويتجهون إلى قبلة واحدة فى صلواتهم، ويتم التعارف والتناصح والتشاور، وتنسيق الخطط، وتوحيد القوى، وحل المشكلات، ويتجدد العزم فى كل عام على العمل لرفعة وحدة الإسلام وتحقيق عِزته.
4- تنشيط المبادلات الاقتصادية: وتنسيق تبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب، فيظهر الحج كمعرض دولي، تجلب إليه الصناعات والمنتجات من بقاع الأرض القريبة والبعيدة، ويضاف إلى ذلك ما يناله فقراء تلك البلاد ـ المحيطة بالحرم والمجاورة له ـ فى ذلك الموسم المبارك من الرزق الذى يُغنى فقراءهم سنة كاملة؛ تحقيقاً لدعوة ابراهيم عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى:”رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ“إبراهيم:37 .


شارك المقالة: