القدر:
القدر: في اللغة مصدرٌ، فإنَّ القدر في اللغة اسم مصدر من قدر الشيء يقدّره تقديراً، وقيل إنه مصدر من قدر يقدر قدراً، عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور.
وقيل أيضاً هو كونُ الشيءِ مساوياً لغيره من غير زيادةٍ ولا نقصان، وقدّر الله هذا الأمر بقدره قدراً: أيّ جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة.
أما القدرُ في الشرع فهو: ما يُقدرّه الله من القَضاءِ والقَدرِ ويحكم به من الأمور التي تكون في علم الغيب.
ليلة القدر:
ليلةُ القدرِ عند المسلمين: وهي الليلة التي تقع فيها مناسبةٌ هامة، حدثت في شهرِ رمضان المبارك، حيث يؤمن المسلمون أن القرآن الكريم قد أنزل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وهناك حيث ينص القرآن على ذلك في سورةٍ خاصة هي:“سورة القدر“، وفيها قال الله تعالى إن هذه الليلة خيرٌ من ألفِ شهر، وفيها تتنزل الملائكة بالرحمات حتى مطلعُ الفجر، وثبت بالسنة النبوية الشريفة، الحثُ على تَحرّي هذه الليلة وخصوصاً في الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وبالأخص الأيام الفردية من العشر الأواخر، حيث ورد في القرآن أنها خيرٌ من ألف شهر.
سبب تسمية ليلة القدر بهذا الإسم:
سُميت ليلةُ القدرِ بهذا الإسم: لأنها الليلةُ التي جعلها الله خَيراً من ألفِ شهر بحسب ما ورد في القرآن الكريم.
وذلك لِعلوّ شأنها وعظمة مكانتها عند الله تعالى، وفسّر العلماء سبب تسميتها بهذا الاسم بأنه يعود لقدرها،
ورفعتها، ومكانتها العظيمة، بينما رأى آخرون أن القدر بمعنى التضييق أي الإخفاء” إخفاء موعدها”
وهو تفسير يرجع إلى دلالة كلمة القدر وما حدث فيها من حدث عظيم، واتساقاً مع تفسيرهم قدّموا حجة
بأن هذا التفضيل مثله كيوم عرفة وهوأعظم الأيام، ورمضان أعظم الشهور .
ويرى علماءٌ أخرون أن سبب تَسميتها بليلة القدر يعودُ لكونها الليلة التي تكتب فيها أقدارُ العبادَ وتُقدر فيها الأرزاق والآجال، والأعمال، وفى ذلك قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما:” يُكتب في أمّ الكتاب في ليلة القدر ما هو
كائن في السنَة من الخير والشرّ والأرزاق والآجال، حتى الحجاج، يقال: يحج فلان، ويحج فلان” صحيح البخاري.
وهناك رأيٌ آخر يرى في أنّ سَببَ التسميةِ يَرجِعُ إلى أن العمل فيها له قدرٌعظيم عند الله تعالي، واستدلوا على هذا الرأيّ؛ بأن المُسلم يَستحقُ أجرَ ما فعلهُ في تلكَ الليلةِ حتى وإن لم يكن تحققَ بعلمها ولم يعلم بها. ويرى آخرون أنها سُميَت بذلك؛ لأن الله تعالى قدَّر فيها إنزالُ القرآن الكريم، أو لأنها ليلة الحُكم والفصل .
لقد ذكر العلماء عدة أسماء لأسباب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم ومنها:
- سميت ليلة القدر لأنها تميلُ إلى “القدر” وهو الشرف كما نقول: فلان ذو قَدرٍ عظيم أي: ذو شرف.
- أنه يُقدّر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه .
- وقيل: القدر يأتي بمعنى القدَر بفتح الدال وذلك أنه يُقدّر فيها أحكام السنة كما قال تعالى:”فيها يفرق كل أمر حكيم“، الدخان: 4 .ولأن المقادير تُقدر وتكتب فيها .
تعظيم ليلة القدر:
يؤمن المسلمون بأنّ الله عظّم أمرَ ليلة القدر فقال:”وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ“، أي أنّ لليلة القدر شأنٌ عظيمً، وبيّن أنها خيرٌ من ألف شهر فقال:”لَيلةُ القَدرِ خير مِن أَلفِ شَهر“، وقيامُ ليلة القدر يكون بكثرة الصلاة وقيام الليل فيها، سواء كان عدد الركعات قليلاً أو كثيراً، وإطالةُ الصلاة بالقراءة أفضلُ من تكثير السجود فيها مع التقليل بالقراءة، ومن يسَّر الله له أن يدعو بدعوةٍ في وقت ساعةِ رؤيتها، كان ذلك علامة الإجابة، فكم من أناس سُعدوا من حصول مطالبهم التي دعوا الله بها في هذه الليلة، ثم قال الله:“تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذن رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ”.
ويروى عن رسول الله أنه قال: إذا كانت ليلة القدر ينزل جبريل في كَبكبَة “أي جماعة” من الملائكة يصلّون ويسلمون على كل عبدٍ قائمٍ أو قاعدٍ يذكر الله، فينزلون من بدء غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وينزلون بكل أمرٍ قضاه الله في تلك السنة من أرزاقِ العباد وآجالهم، وليس الأمر كما شاع بين كثير من الناس، أن ليلةُ النصف من شعبان هي الليلة التي تُوزع فيها الأرزاق والتي يُبيّن ويُفصّل فيها من يموت ومن يولد في هذه المدة إلى غير ذلك من التفاصيل من حوادث البشر، بل تلك الليلة هي ليلة القدر كما قال: ابن عباس رضي الله عنه في ترجمان القرآن، فإنه قال في قول القرآن”إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ“الدخان4”.
فالمقصود بالليلة المباركة هي ليلةُ القدر، ففيها أُنزل القرآن وفيها يُفرّق كل أمرٍ حكيم أي “كل أمرٍ مُبْرَم”. أيضاً أنه يكون فيها تقسيم القضايا التي تحدثُ للعالم من موتٍ وصحةٍ ومرضٍ وغنىًد وفقرٍ وغير ذلك، ممّا يطرأ على البشر من الأحوالِ المختلفة من هذه الليلة إلى مثلها من العام القابل.
ثم قال الله:”سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ”، القدر:5. فليلة القدر سلامٌ، وخيرٌ على أولياء الله، وأهلُ طاعة المؤمنين، ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو أذى، وتدوم تلك السلامة حتى مطلعُ الفجر.
فعن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إن علمت ليلة ما أقول فيها؟ قال: قولي:“اللهم إنّك عفوّ تحب العفوَ فاعفُ عنّي” وكان أكثر دعاء النبي في رمضان وغيره :“ربّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار”.
علامات ليلة القدر:
هناك علامات في أثنائها، وعلامة بعد انقضائها، ونذكر بعض علامات ليلة القدر وهي :
1.قوة الإضاءة والنور من علامات ليلة القدر، فمنها ما رواه أحمد من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً،ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح”.
ومنها ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:“أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة”.
وقال بعض العلماء: فيه إشارةٌ إلى أنها تكون في أواخر الشهر، لأن القمر لا يكون كذلك عند طلوعه إلا في أواخر الشهر.
2. ليلة القدر لا حارّة ولا باردة، وذلك لما ورد في حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”هي ليلة طلقة بلجةٌ أي: “مشرقة” لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً يفضح كواكبَها ولا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها”، رواه ابن خزيمة.
3. ليلة انشراح النفس في ليلة القدر، ومن العلامات الأخرى لليلة القدر، طمأنينة القلب، وانشراحُ النفس الذي يشعر بها المؤمن، فإنّه يجد راحة وطمأنينة في هذه الليلة أكثر ممّا يجده في بقية الليالي. فيستشعر العبد المؤمن حلاوة الطاعة في تلك الليلة، فيجد في القيام سعادة وراحة لا يجدها في غيرها من الليالي. والرياح فيها تكون ساكنة، لا عواصفَ فيها.
4.الشمسُ صَبيحة ليلة القدر، وأما العلامة التي تأتي بعد انقضاء ليلة القدر، فهي:أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها كما ثبت ذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي بن كعب“فكأن الشمس يومئذ لغلبة نور تلك الليلة على ضوئها، تطلع غير ناشرة أشعتها في نظر العيون”، أفاده النووي في شرح مسلم.