صحف إدريس عليه السلام:
لقد ذُكر في صحف إدريس عليه السلام وآياته الواقعة مع القرآن بأنه يوجد توافق كبير في كثير من الآيات الواردة في صحف إدريس مع ما ورد في القرآن الكريم. فقد أكد على وجود سبع سموات يعلوها عرش الرحمن وقد وصف في رحلة عروجه إليها ما في هذه السموات من مخلوقاتٍ ووصفَ أيضاً عرش الرحمن وصفاً تشير إلى عظمته. ووصف الجنة وما فيها من نعيمٍ، والنارُ وما فيها من عذاب، ووصف ما في السماء الدنيا من أجرام وقاس أبعادها وحركاتها.
وسنتحدثُ هنا عن إحدى الرؤى التي رآها إدريس عليه السلام حول المحطات الرئيسية في تاريخ البشر وخاصة ما يتعلقُ بالشرائع السماوية وهي رؤيا الأسابيع السبعة. وفي هذه الرؤيا يوجد نصٌ صريح على ظهور أمة الإسلام في الأسبوع الأخير من حياة البشر فقد جاء في الباب 93 من صحف إدريس عليه السلام.
- الأسبوع الأول: وهي عبارة عن الفترة التي تبدأ من آدم عليه السلام حتى إدريس عليه السلام، وهو السابعُ من ذرية آدم فهو نبيّ الله إدريس عليه السلام انوخ أو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبو البشر عليه السلام وهو الجدُ الثاني لنوح عليه السلام نوح بن لامَك بن متوشلخَ بن انوخ.
وقد قيل أنه أدرك من حياة آدم عليه السلام مائة وعشرين سنة وعاش على الأرض ثلاثمائة وخمسة وستين سنة، ثم رفعهُ الله عزّ وجل إلى السماء حياً كما دلّ على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا- وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا” مريم:56-57. ولقد أكد إدريس عليه السلام أن الصلاح كان سمة هذا الأسبوع ولدت السابع في الأسبوع الأول حيث لا زالت العدالةُ والاستقامة باقية. - الأسبوع الثاني: وهو الذي عاش فيه نوحٌ عليه السلام وفيه عمّ الشرّ عند جميعِ سكان الأرض، ولم تنجح أيّ محاولة من محاولات نوح عليه السلام في إصلاحهم كما جاء في قوله تعالى: “قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا- فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا- وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا- ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا- ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا” نوح:5-9.
وفي هذا الأسبوع قام الله تعالى بإبادةِ جميع سكانِ الأرض، لكن باستثناء نوح عليه السلام وبعضٌ من المؤمنين فلذلك السبب أسماها إدريس عليه السلام النهايةُ الأولى للبشرية. ومن ثم سيظهر بعدي في الأسبوع الثاني شرٌ عظيم وسيظهر الغِش وفي ذلك تكون النهاية الأولى وفيه ينجو إنسان وفي نهايته سيظهر الظلم ويقامُ فيه قانون للخُطاه.
ومن الواضح أنّ الإنسان الذي نجى من النهاية الأولى هو نوح عليه السلام مصداقا لقوله تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ- فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ” العنكبوت:14-15. أما المقصود بقانون للخطاة في قول إدريس عليه السلام فقد يكون هو قوله تعالى: “وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا” الإسراء:85. - الأسبوع الثالث: وهو الذي مكثَ إبراهيم عليه السلام في أواخرهِ، وبعد ذلك في الأسبوع الثالث وفي آخره سيتمُ اختيار إنسان كنبتةٍ للعدالة الصالحة وبعد ذلك ستدومُ نبتة الصلاح للأبد. ومن المعلومِ أن أقوامٌ كثيرون قد ظهروا في هذا الأسبوع، مثل عاد وثمود والفراعنةُ وحضاراتٌ أخرى ما بين النهرين وغيرهم كما جاء في قوله تعالى: “وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا” الإسراء:17. أما الإنسان الذي تم اختياره ليكون نبتة للصلاح فهو بالطبع إبراهيم عليه السلام والذي انحصرت النبوة في ذريته وهذا يصدقه قوله تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ” الحديد:26.
- الأسبوع الرابع: وهو الذي عاش في نهايتهِ موسى عليه السلام، والذي ابتدأ بنزول الشرائعِ السماوية التي تحكمُ حياة البشر. وكان أول شريعةٍ لموسى عليه السلام كما وردت في التوراة، وبعد ذلك في الأسبوع الرابع وفي نهايته ستتبيَنُ نبؤات القديسين والأبرارِ وسيُتخذ قانونٌ لكل الأجيال ومكان لهم. فالمقصود بقول إدريس عليه قانون لكل الأجيال وهو الأحكام الشرعية التي وردت في الكتب المقدسة والتي تحدد تصرفات ومعاملات وعبادات الناس وذلك مصداقا لقوله تعالى: “إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” المائدة:44.
- الأسبوع الخامس: وفي هذا الأسبوع تمّ فيه إقامةُ دولٍ ومَمالك تحكمها الشرائع السماوية والتي بدأت بملك داود وسليمان عليهما السلام، وبعد ذلك في الأسبوع الخامس وفي نهايته سيُبنى بيتٌ للمجد والملك. والمقصود ببيت المجد والملك هنا هو الهيكل الذي بناه سليمان عليه السلام في القدس كبيت للعبادة والحكم مصداقاً لقوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ” المائدة:20.
- الأسبوع السادس: وهو الذي بدأ فيه اليهود بتركِ شريعة موسى عليه السلام واتبعوا عبادة الأوثان وظهور الفساد فيهم وبعد ذلك في الأسبوعِ السادس فإن الذين يعيشون فيه سيبدى عليهم العمى وتنسى قلوبهم الحكمةُ وسيغرقونَ في الشرك وفيه سيُرفع إنسان وفي نهايته سيُحرق بيت الملك بالنارِ ويتشتتُ جميع نسل الجذر المختار. والإنسان الذي سيُرفع هو عيسى عليه السلام الذي جاء لإعادة اليهود إلى دينهم الصحيح ولكنهم كذبوه وعزموا على قتله ولكن الله نجاه من كيدهم ورفعهُ حيّاً إليه مصداقا لقوله تعالى: “فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا- وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيماً- وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا- بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيماً” النساء:155-158.
وفي نهاية الأسبوع تم حرق الهيكل بشكلٍ نهائي وذلك في عام 70 للميلاد، على يد الرومان وتم قتل كثير من اليهود وطرد البقية من جميع الأرض المقدسة وتشتيتهم في جميع أنحاء العالم وتسليط الأمم عليهم بالقتل والتعذيب وذلك مصداقا لقوله تعالى: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ – وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” الأعراف: 167-168. - الأسبوع السابع: أما الأسبوع الأخير وهو السابع فهو الذي بيّنت فيه كلٌ من الأمة المسيحية في أوله والأمة الإسلامية في آخره وبعد ذلك في الأسبوع السابع سيظهر جيلٌ مرتد، وستصبحُ أعمالهم كثيرة ولكن جميع هذه الأعمال ستكون مرتدة.
أما في نهايتهِ سيتمُ تنقيح الصالحين المختارين من نبتةِ الصلاح الأبدية وستُعطى لهم تعاليم بسبعة أضعاف حول جميع المخلوقات. فالجيل المرتد هم المسيحيون الذين جعلوا المسيح عليه السلام ابناً لله عز وجل ولقد تنبأ عليه السلام بهؤلاء المرتدين وسماهم فاعلي الإثم رغم أنهم عملوا أعمالا صالحة كثيرة باسم المسيح عليه السلام. وقد حذر القرآن الكريم المسيحين من مغبة هذه الردة في آيات كثيرة منها قوله تعالى: “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلً” النساء: 171.
ومن المعلومِ بأن المسلمونَ هم المختارون؛ وذلك لانّ نبيّهم محمد صلى الله عليه وسلم هو من نسلُ إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام والذي وصفه إدريس عليه السلام بنبتةِ الصلاح الأبدية التي لا يظهر نبيٌ إلا منها، وهذا ما تنبأ به إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ- رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” البقرة: 127- 129.
أما الميزة الأخرى للمسلمين وهي أنهم سيُعطون من العلمِ سبعةُ أضعاف ما أعطي لغيرهم وإذا قارنّا ما في القرآن الكريم والسنة النبوية من علومٍ عن الكون والإنسان والأمم السابقة والعبادات والتشريعات والأخلاق وغيرها مع ما في التوراة والإنجيل لوجدناها تفوقُ بأضعاف كثيرة، فقال الله تعالى: “وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ” النحل:89.