اقرأ في هذا المقال
الحد:
إن الحد في اصطلاح الفقهاء هوعباره عن عقوبة مقدرّة شرعاً سواء كانت حقاً لله تعالى أم حقاً للعبد وهي مثل الزنا، القذف، المحاربة، السكر والردة أو ما شابه ذلك “ومعنى حقا الله تعالى أي أنها مقدرة لصالح الجماعة وحماية للنظام العام، لأن ذلك هو الهدف من دين الله تعالى.
حكم إقامة الحد بدار الحرب:
لقد ذهب بعض من العلماء إلى أن الحدود تقام في أرض الحرب، كما وتقام في دار الإسلام أيضاً بدون تفرقة في بينهما؛ وذلك لأن الأمر هذا عام بإقامتهما، وليس خاص بدار غير دار أخرى. ومن الذين ذهبوا إلى هذا مالك والليث بن سعد.
إذا أصاب المسلم في دار الحرب ما يوجب حدّاً من سرقة أو شرب أو خمر أو نحوهما من موجبات الحدود، فهل يقام عليه الحد؟ فقد تبين لنا من مباحث ابن القيم رحمه الله أنه اختار قاعدة واحدة ورد فيها” أن من باشر ما يوجب حدّاً في دار الحرب، فإنه لا يسقط عنه الحد بالكامل، وإنما يؤخر حتى يقفل من دار الحرب ويعود إلى أرض الإسلام.
لكن إن كان لمن وجب عليه الحدّ من الحسنات والنكاية بالعدو ما يغمر سيئته التي وقع فيها، وظهرت منه أشاير التوبة النصوح، فإنه يسقط عنه الحدّ بالكامل. وكان دليله على هذا هو قول أحمد وإسحاق والأوزاعي وغيرهم.
فقد نص قول أحمد واسحاق والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود لا تقام في أرض العدو، وذكر أبو القاسم في مختصره فقال: لا يقام الحدّ على مسلم في أرض العدو. وعدّ إقامته في أرض العدو يعني تأخيره حتى يعود إلى أرض الإسلام، فيقام الحدّ على مرتكب موجبه.
الأدلة التي تدل على تأخير الحد:
من الأدلة التي دلت على تأخير الحد، وهي السنة، وقضايا الصحابة رضي الله عنهم والإجماع والقياس. من السنة: استدل بحديث النهي عن القطع في الغزو فقال:”إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تُقطع الأيدي في الغزو” رواه أبو داود. هنا توجد علة النهي. ” قال في بيانها: هذا حدّ من حدود الله، وقد نهى عن إقامته في الغزو خوفاً أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق لصاحبه بالمشركين حميةً وغضباً.
ودلالة الحديث هنا نصية على النهي عن إقامة حد السرقة على مرتكبها من الغزاة في الغزو. أما رأي ابن القيم فقد فهم منهم العموم في النهي عن إقامة كافة الحدود في أرض العدو؛ وذلك للاشتراك في علة النهي، فطرد هذا الحكم في سائر الحدود فقال:”إن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تقطع الأيدي في الغزو لئلا يكون ذريعة إلى الحاق المحدود بالكفار، فلهذا لا تقام الحدود في الغزو كما تقدم.
أما الصحابة: سنرى أثر عمر رضي الله عنه على تأخير الحد. فقد روى سعيد بن منصور رضي الله عنه في سننه، بإسانده عن الأحوص بن حكيم عن أبيه، أن عمر رضي الله عنه كتب إلى الناس أن لا يجلدون أمير جيش ولا سريةٍ ولا رجل من المسلمين حداً وهو غاز، حتى يقطع الدرب فيلحق لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق الكفار. ودلالة هذا الأثر على تأخير الحد عن الغزاة نصيّةً لنهيه رضي الله عنه عن إقامة الحدّ على غازٍ، إلا إذا قطع الدرب قافلاً إلى بلاد الإسلام مبيناً رضي الله عنه على النهي بقوله: لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار.
الإجماع: واستدل على تأخير الحد بالإجماع فقال: وقال أبو محمد المقدسي، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم. والمراد بالإجماع هنا يسمّى الإجماع السكوتي، فإن القول بهذا قد ورد عن البعض من الصحابة رضي الله عنهم، في مواجهة آخرين منهم، فلم يظهر في سياق الأخبار خلافِ أحدٍ منهم فصار إجماعاً على تأخير الحدّ.
القياس: وفي دائرة الأدلة التي ساقها ابن القيم من السنن وعمل الصحابة والإجماع، يستدل عليه بقياس الأولى فتبين أن قاعدة الحدود هي تأخير الحد لعارض لمصلحة المحدود، وتاخير الحدّ هنا تكون لمصلحة الإسلام وهذا هو الأولى.
هل يجوز إقامة الحدود في المساجد؟
لقد نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام من إقامة الحدود في المساجد؛ وذلك حفاظاً عليها من التلوث، والدليل على ذلك: روى أبو داود عن حكيم بن حزام رضى الله عنه أنه قال:” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الاشعار، وأن تقام فيه الحدود”.