ما حكم سقوط الحق بالتقادم شرعاً وعرفاً؟

اقرأ في هذا المقال


حكم سقوط الحق بالتقادم شرعاً وعرفاً:

أولاً: في الشريعة الإسلامية: إن الأصل في جميع الشرائع السماوية، وعلى رأسها الشريعة الإسلامية، هو عدم فوات الحق بمرور الزمان، وذلك بسبب أن الحق قديم، وأن الملك لله وحده يؤتيه من يشاء وينزعه ممّن يشاء. وقد اعتمد الفقه الإسلامي مبدأ التقادم، تأسيساً على أنه مانعٌ لسماعِ الدعوى بالحق الذي مرّ عليه الزمن، ولم يعتمده على أنه سببٌ مسقطٌ للحق الذي مر عليه الزمن، فإن الحرام لا يُصبح حلالاً بمرور الزمن، فأصل الحقِ باقٍ في ذمة صاحبه وعليه وفاؤه وتأسيساً على ذلك، لو أقر الخصم بالحق لانهدمَ التقادم، ولتعيّنِ سماع الدعوى.
إن مرور الزمن بالشريعة الإسلامية، لا يعطي حقاً لواضع اليد مهما طال الزمان، والقاعدة الفقهية المعتمدة التي تقول: الحقُ لا يسقط بالتقادم. إلا أن بعض الأحناف والقاضي عبد الرحمن ابن أبي ليلى، رأى أن الحدود تسقط بالتقادم.
ودليلهم على ذلك: أن العقوبات وجدت للإنزجارِ والردع وترويع المجرمين، وذلك يكون إبان وقوعها، وتأخيرها يذهب بمعنى الردع فيها؛ لأن المجرم مظنة أن يكون قد تاب، ومظنة التوبة في ذاتها تجعل العقاب قد صادف نفساً طهرت من الذنوب وتابت إلى الله توبةً نصوحاً. ولكن هذا القول مردود؛ لأن التقادم لا يُسقط الحقوق، لقول عمر رضي الله عنه: الحق قديم لا يسقطه شيء. سنن الدار قطني.
فالشريعة الإسلامية كنظامٍ عام لا تقر هذا المبدأ، فالقصاصُ ومثله الدية وهو حق خالصٌ للفرد ولا يسقط من إثم إلا بالعفوِ أو الصلح على المال أي الدية، وقول بعض الأحناف في سقوط الدعوى بعد تقادم العهد ليس في علة التقادم المسقط، وإنما العلة فيه عدم الإطمئنانِ إلى الشهادة، أي الشك فيها بعد مضي فترةٍ من الزمن.

ثانياً: في العرف القبلي:
إن عند أهل العرف التقادم لا يسقط الحق، إنما يضعفه لعدم المطالبة به، وعندهم مثلٌ دراج: ما ضاع حق وراءه مطالب. ويقول العبادي في مفهوم العشائر: ليس للزمن أهمية في المطالبة بالدم، طالما أن ضمن المدى المنظور، أي قرابة نصف قرن أو أكثر من ذلك أو أقل، وقد مرت بنا وثائق عديدة حول مطالبة أصحاب الدم بدم رجلهم بعد مرور ثلث أو نصف قرن، أو ما يزيد على ذلك، فعند العشائر الدم لا يبلى، والأسى لا يُنتسى، وبالتالي فإن التقادم قد يخدم القضية من باب واحد، ألا وهو استبدال الثأر بالدية والعداوة بالصلح. وهكذا نرى توافقاً بين الشريعة والعرف على عدم سقوط الحق بالتقادم.


شارك المقالة: