الخشوع في الصلاة:
الخشوع في الصلاة لغةً:
يقول ابن فارس رحمهُ الله: خشعَ إنّ في الخاء والشين والعين أصلٌ واحدٌ، يدل على التطامن: فيُقال: خشعَ إذا تطامن وطأطأ رأسه، ويخشعُ خشوعاً، وهو قريب المعنى من الخضوع، إلّا أن الخضوع في البدن، والخشوع في الصوت في الصوت والبصر، فقال تعالى: “خاشِعَةً أبصَارُهُم” القلم:43. قال ابن دريد: الخاشع: المستكين والراكع.
قال ابن المنظور: خَشعَ يخشعُ خشوعاً، واختشع وتخشّع: أي رمى باتجاه الأرض، وغضهُ وخفضَ صوتهُ، وقيل أن الخشوع قريب من الخضوع، إلا أنّ الخضوع في البدن، والخشوع في البدن، والصوت والبصرفي قول الله تعالى: “وخَشَعت الأصوَاتُ للرحمنِ” طه:108. أي سكنت، وكلّ ساكن أيّ خاضع خاشع.
وقال الفيروز أبادي رحمهُ الله: الخشوع الخضوع كالاختشاعِ والفعل كمنعِ أو قريب من الخضوع، أو هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر، والخشوع: السكون والتذلل.
وقال محمد بن أب بكر الرازي رحمه أيضاً عن الخشوع: الخشوع الخضوع وبابهما واحد، فيُقال: خشعَ واختشعَ ببصرهِ أي غضهُ والتخشّع: هو تكلّف الخشوع.
وقال الفيذومي أيضاً عن الخشوع: يأتي بمعنى خشعَ خشوعاً: إذا خضعَ، وخشعَ في صلاتهِ ودعائه وقد أقبل بقلبهِ على ذلك، وهو مأخوذ من خشعت الأرض، إذا سكنت واطمأنت وهدأت.
وقال أبو السعادات ابن الأثير رحمهُ الله: إن الخشوع في الصوت والبصر مثل الخضوع في البدن.
وقال الراغب الاصفهاني: الخشوع يعني الضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب. وقال ابن القيم رحمهُ الله: إنّ الخشوع في أصل اللغة هو الانخفاض والذلّ والسكون، فقال الله تعالى: “وخَشَعَت الأصوات للرحمانِ فلا تسمعُ إلّا همساً” طه:108، أي أنها سكنت وذلت وخضعت ومنه وصف الأرض بالخشوع، وهو يبسها، وانخفاضها، وعدم ارتفاعها بالري والنبات، فقال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” فصلت:39. ومن ذلك قول الله تعالى: “وجوهٌ يومئذٍ خاشعةً” الغاشية:2.
الخشوع اصطلاحاً:
لقد قال الجرجاني رحمه الله: الخشوع في اصطلاح أهل الحقيقة هو الانقياد للحق، وقيل: هو الخوف الدائم في القلب، وقيل أن من علامات الخشوع: أن العبد إذا غضب أو خُولف أو رُدّ عليه استقبل ذلك بالقبول. وقال الإمام ابن القيم رحمهُ الله أنّ الخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخُضوعِ والذّلِ. وقيل بأنّ الخشوع أيضاً هو الانقياد للحق، وهذا من موجبات الخشوع، فمن علامتهِ: أن العبد إذا العبد إذا خُولِف ورُدّ عليه بالحق، استقبل ذلك بالقبول والانقياد.
وقال الإمامُ ابن رجب رحمه الله: إنّ أصلُ الخشوع: هو مايسمى برقة القلب ولينهِ وسكونهِ وخضوعه وانكساره، وحرقتهِ فإذا خشع القلب ورقته، وسكونه خضوعه وانكساره، وحرقتهِ، فإذا خشعَ القلب تبعهُ خشوع جميع الجوارح، والأعضاء؛ لأنها تابعة له، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “ألّا وَإنّ في الجسدِ مُضغةً إذا صلحت صَلح الجسدُ كلهُ، وإذا فسدت فسدَ الجسدُ كلهُ، ألا وهي القلبُ” متفقٌ عليه.
إنّ خشع القلب فإنهُ يخشع البصر والرأس والوجه وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها حتى الكلام؛ ولهذا فقد كان عليه الصلاة والسلام يقولُ في ركوعهِ في الصلاةِ:“اللهم لكَ ركعتُ، وبك آمنتُ ولك أسلمتُ خشعَ لك سمعي وبصري، ومُخي وعظمي وعصبي وإذَا رَفَعَ، قالَ: اللَّهمَ رَبَنَا لكَ الحَمْدُ مِلءَ السَّمَوَات، وَمِلءَ الأرْضِ، وَمِلءَ ما بينَهُمَا، وَمِلءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بَعدُ، وإذَا سَجَدَ، قالَ: اللهمَ لكَ سَجَدتُ، وَبِكَ آمَنتُ، وَلَكَ أَسلَمتُ، سَجَدَ وَجهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَك اللَّهُ أَحسَن الخَالقين” صحيح مسلم. فقيل أن الخشوع يعني الخضوع والتواضع.
وقال العلامةُ السعدي رحمهُ الله أن الخشوع يأتي بمعنى الخوف والخشية والخضوع، والإخبات والوجلِ، فمعانيها متقاربةً، فالخوفُ يمنعُ العبدُ من محارم الله، وتشاركهُ الخشية في ذلك، وتزيدُ أنذ خوفهُ مقرونٌ بمعرفة الله، وتشارهُ الخشية في ذلك، وتزيد أن خوفهُ مقرونٌ بمعرفة الله، وأما الخضوع، الإخباتِ والوجل، فإنها تنشأ عن الخوف، والخشيةِ فيخضعُ العبدُ لله تعالى، ويُخبتُ إلى ربهِ منيباً إليه بقلبهِ، ويحدث له الوجل. وأما الخشوع، فهو حضور القلب وقت تلبّسهِ بطاعة الله، وسكونٌ ظاهرهُ وباطنهُ، فهذا خشوعٌ خاصّ، وأما الخشوع الدائم الذي هو وصفٌ خواصٌ المؤمنين، فينشأ من كمال معرفة العبد بربه،ومراقبتهِ، فيستولي ذلك على القلب كما تستولي المحبةُ.