ما هو الاستصحاب شرعاً ؟

اقرأ في هذا المقال


تُستخرج الأحكام من خلال شواهد عمليةٍ تُشير إلى الحكم صراحةً أو دلالةً، وهذه الأدلة تنقسم إلى أدلة متفقٌ عليها؛ وأدلة مختلفٌ عليها، أمّا ما اتفقت عليه الأمة من هذه الأدلة فالقرآن والسنة وإجماع أهل العلم وأخيرًا القياس، فإذا عَرَضت للعالم مسألةٌ بحث عن حكمها في القرآن الكريم أولًا، فإن لم يجد انتقل إلى السنة النبوية، فإن وجد لم ينتقل إلى الدليل الآخر واكتفى بالأول، فإن لم يجد في القرآن أو السنة انتقل إلى إجماع أهل العلم من أهل الاختصاص والاجتهاد، حتى لو كان هذا الإجماع في عصرٍ متقدمٍ أو متأخر، فإن لم يجد في هذه الأدلة الثلاثة انتقل إلى أن يجتهد بعلمه من خلال القياس على دليلٍ آخر من القرآن أو السنة، أمّا الأدلة التي لم يتفق عليها أهل الاجتهاد فمنها الاستحسان والاستصحاب والعُرف والمصالح المرسلة وقول الصحابي، وشرع من جاء قبلنا من الأمم، وفي هذا المقال بيان أحد هذه الأدلة المختلف فيها، فما هو الاستصحاب.

ما هو الاستصحاب:

قال بعض العلماء: هو أن يأخذ العالم المجتهد بالأصل السابق عن دليل حُكمٍ فُقهي، فهو بعد أن يبحث عن ذلك الحكم في القرآن الكريم فلا يجده ثم ينتقل إلى السنة ثم إلى إجماع ثم القياس ولا يجد أخذ ذلك الحكم بأن يستصحب الحال من خلال النفي والإثبات و يأتي من المُصاحبة في اللغة وفي الشرع فهو كما عرَّفه أهل العلم أن يستصحب الحال لأمرٍ سواء كان هذا الأمر وجوديًا أو عدميًا عقليًا أو فرعيًا، وقد عرَّفه الشوكاني: “بأنّه ما يثبت في الزمن السابق يبقى حكمه في المستقبل إلّا إذا طرئ ما يُغير هذا الحكم”.

أنواع الاستصحاب:

  • فيستصحب المجتهد حكم التحريم لحكمٍ آخر لم يعثر على دليل تحريمه في الأدلة المتفق عليها وتُعلل الحُرمة بالضرر الكثير أو الضرر المطلق في ذلك الأمر الذي يستصحب حكم تحريمه ويسمى التحريم، ومثال ذلك استصحاب حكم تحريم كلّ ما ثبت ضرره استصحابًا للحال من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضَررَ ولا ضِرارَ” فكل ما ثبت ضرره ولم يثبت تحريمه بدليلٍ من الأدلة الأربعة يكون محرمًا لثبوت ضرره.
  • هو كل ما لم يثبت في إباحته شيء و كل ما ثبت نفعه و دليل ثبت أنه مباح لأنّ الأصل وهو الإباحة، ويُطلق عليه أسم “البراءة الأصلية”، ويرجع في ذلك إلى النفع المُطلق من المسألة التي لم يثبت في إباحتها دليل.
  • كل عبادةٍ لم يثبت في حكمها نصٌ شرعي يُفيد حكمًا لها كالندب أو الكراهة أو التحريم أو الإباحة يكون الأصل في حكمها هو “التوقف” و يختصُّ بالعبادات والتشريعات والعلة منه العدم الأصلي، أوعدم الفعل، ومثال ذلك أن يجتمع الناس على أداء صلاةٍ سادسةٍ جماعةً في المسجد فهذا لم يرد فيه نصٌ ولا دليل، فلا يجوز فعل ذلك استصحابًا للعدم الأصلي من عدم الإباحة.

ما يلاحظ على الاستصحاب:

  • أولاً: أنهُ في الحقيقة لا يثُبت حكماً جديداً، ولكن يستمر به الحكم السابق الثابت بدلیله المعتبر، فهو إذن، ليس في ذاته دليلاً فقهياً ولا مصدراً تستقى منه الأحكام، وإنّما هوفقط قرينة على بقاء الحكم السابق الذي أثبته دلیله.
  • ثانياً : أنّهُ لا يحتاج إليه إلا عند عدم وجود الدليل المختص في حكم مسألة، بأن يبحث الفقيه ويبذل غاية جهدهِ في التحري عن الدليل فلا يجده، فيرجع الى الاستصحاب، ولهذا فهو كما قال بعضهم عنه، أنّه: “آخر مدار الفتوى” فإنّ المفتي إذا سئل عن حادثة، يطلب حكمها في الكتاب ثم في السنة، فإن لم يجدها يأخذ حكمه من استصحاب الحال.

قواعد الاستصحاب:

  • أولاً : “الأصل في الأشياء الإباحة”، حكمها الإباحة إلا إذا وجد النص بالتحريم، وعلى هذا فريق من العلماء.
  • ثانياً: “الأصل براءة الذمة”، أو الأصل في الذمة البراءة : وقد أخذ بهذا الأصل في القضايا المدنية والجزائية على حد سواء فمن ادعى على غيره حقاً، فالأصل عدمه، إلّا إذا أثبت المدعي ذلك، فالأصل بقاؤه، وإن كان التردد في ثبوته فالأصل عدم ثبوته، يأخذ حكمه من استصحاب الحال في النفي والإثبات، فإذا كان التردد في الاستصحاب تقررهُ جملة قواعد ومبادي، قامت عليه وتفرعت منه ، ومنها : المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ومن هنا جاء القول : الشك يفسر لمصلحة المتهم، الخطأ في براءة متهم خير من الخطأ في إدانة بريء.
  • ثالثاً : “اليقين لا يزول بالشك”، فمن توضأ ثم شك في الانتقاض بقي على وضوئه ومن ثبت نکاحه فلا تزول الزوجية عنه إلا بيقين، ومن تملك عيناٍ بسبب شرعي فلا يزول ملكيتة إلا بتصرف ناقل للملكية، والعلة في هذه القاعدة: أن اليقين صار أمراً موجودة لا أرتياب فيه، فيستصحب هذا اليقين، إلّا إذا قام الدليل على انتفائه، أمّا مجرد الشك فلا يقوي اليقين ولا يعتد به.

شارك المقالة: