ما هو التطليق للغيبة؟

اقرأ في هذا المقال


التطليق للغيبة:

من بين الحقوق المتبادلة بين الزوجين معاشرة ومساكنة أحدهما للآخر، ويترتب عن خرق هذا الالتزام الأساسي من طرف الزوج، إمكانية طلب الزوجة من القاضي الحكم بتطليقها من أجل الغيبة، وسنتعرف على موقف الفقه الإسلامي من التطليق للغيبة ثم نبين سنده القانوني في التشريع المغربي لنختم بشروط التطليق للغيبة.

موقف الفقه الإسلامي من التطليق للغيبة:

لقد أختلفت الآراء الفقهية حول حق المرأة في طلب التطليق بسبب غياب زوجها عنها فقد تبين أنّ هناك أراء معارضة وأراء مؤيدة.

الفقه المعارض:
يرى أصحابه” الحنفية والشافعية والظاهرية والزيدية” أن الغيبة لا يمكن أن تكون سبباً مباشراً للتطليق واستدلّوا
بما يلي:
– أنه لا يوجد في الكتاب والسنة ما يفيد جواز التفريق لأجل الغيبة.
– الأخذ بالأصل القائل أن الطلاق لا يملكه إلا الزوج.

الفقه المؤيد:
وهما الإمام مالك، والإمام أحمد بن حنبل” فيستدلان على ذلك بقوله تعالى:” فامسكوهن بمعروف أو فارقهن بمعروف” ، وقوله عز وجل:” لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا”. فيذهبان إلى جواز التفريق إذا طالت غيبة الزوج وتضررت بها المرأة، كأن تخشى المرأة على نفسها أن تُحيد عن الطريق السوي، وتنصرّف إلى المزالق إذا بقيت مرتبطة بزوجها رغم غيابه ولو كان لها مال تنفق منه بشرط:
1-أن يكون غياب الزوج عن زوجته دون عذر مقبول.
2-أن تتضرر من غيابه وتخشى على نفسها الوقوع في المزالق.
3-أن يكون غائباً إلى بلد، غير البلد الذي تقيم فيه الزوجة.
4-أن تمر سنة على غيابه.
فإذا انتفى شرط من أيّ هؤلاء الشروط، فلا يجوز التفريق والتقدير سنة، وهذا قول الإمام مالك، وقيل ثلاث سنوات ويرى الإمام مالك وأحمد أنها ستة أشهر، أقصى مدة تستطيع فيها المرأة الصبر على غياب زوجها، ويؤكد هذا أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان لا يجعل الجند يغيبون عن زوجاتهم أكثر من ستة أشهر.

شروط التطليق للغيبة وسنده القانوني في التشريع المغربي:

يُشير المشرع المغربي إلى ما قال به الإمام مالك، حيث اشترط غياب سنة كاملة لكي ترفع الزوجة دعوى على زوجها الغائب إذا تضررت من هذا الغياب، بالرجوع إلى مقتضيات المادة 104 من المدونة ويتضّح على أن دعوى التطليق للغيبة لم تعد تشترط سوى غياب الزوج عن زوجته لمدة سنة، فيما تم إقصاء باقي الشروط التي كان ينص عليها الفصل 57 من مدونة الأحوال الشخصية السابقة، فبينما تتأكد المحكمة من أحقية أو حقيقة وقوع الغيبة وأمدها
الزمني بجميع الوسائل وكان للزوج عنوان أو محل إقامة فإنها تبلغه عريضة دعوى الطالبة، وهي الزوجة، ليبدي أوجه دفعاته النظاميّة والموضوعية بشأن ذلك مع إشعاره بأنّ في حالة ثُبوت الغيبة، ستحكم المحكمة بالتطليق
ما لم يحضر للإقامة مع زوجته أو ما لم ينقلها إليه.

أما في الحالة التي يكون خلالها الزوج المطلوب في دعوى التطليق مجهول العنوان، فستتخذ المحكمة في هذه الحالة بمساعدة وتنسيق مع مؤسسة النيابة العامة، ما تراه من إجراءات مسطريه وتدابير موضوعية تساعدعلى تبليغ الزوجة إليه، بما في ذلك تعيين قيم عنه فإن لم يحضر طلقتها عليه.

يقول ابن تيمية في فتاويه” القول في امرأة الأسير و المحبوس ونحوهما ممّا يعذر انتفاع امرأته به، إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود”. فالفقه الحنفي والشافعي إنه لا يقول بالتطليق بسبب حبس الزوج. أما الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل، فإنه يرى أن للمرأة حق طلب التطليق بحبس زوجها، لأن حبسه يوقع الضرر بها لبعده عنها، كما هو الحال في الغيبة، والواقع أن تضررها لحبسه، أشد كثيراً من تضررها لغيابه فإلى جانب الغياب هناك الضرر المعنوي لكونه محبوس نتيجة عمل غير مشروع.
والزوجة كما تتضرر بالأقوال والكلام الفاحش إلى الأفعال من ضرب وغيره فإنها تتضرر كذلك من غياب زوجها عليها ضرراً مادياً ومعنوياً، والغيبة تعني إقامة الزوج في بلدة غير البلدة التي تقيم فيها الزوجة، أما الغيبة الناتجة
عن هجر بيت الزوجيّة، والقيام بنفس البلدة فلا تنظمها أحكام التطليق للغيبة.
فإذا رفعت الزوجة الدعوى للقاضي للطليق بسبب غياب الزوج وأثبتت دعواها، وكان الزوج معروف الجهة،
حيث يمكن للرسائل أن تصل إليه وتأكد القاضي من ذلك فإنه يستجيب لطلبها.
نلاحظ أن المشرع المغربي كرّس أحقيّة المرأة في طلب التطليق للغيبة ورفع الضوابط القيدية التي كانت تضيق الخناق على إمكانية سلوك مسطرته، فيسّرت إجراءاته النظامية وكذلك العراقيل عن تدابيره الموضوعية، حرصاً على المحافظة على كينونة المرأة وحقوقها الطبيعية، وحتى في حالة توفّر الزوج على مال ظاهر بإمكانه إعالة طوال مدة غيابه فالمسألة تتعلقّ بمبدأ إنساني ومعنوي أكثر من مادي وهي في طبيعتها تكتسي بُعداً أخلاقياً خاصة وأنه يخلّ بأهم المبادئ الأساسية للحياة الزوجية وعلى رأسها المساكنة والمعاشرة بالمعروف، وتتقوى هذه الضمانات أيضاً حتى في شقها الزجري.


شارك المقالة: