ما هو الجدال الذي حدث بين إبراهيم عليه السلام والنمرود؟

اقرأ في هذا المقال


جدال إبراهيم عليه السلام لملك زمانه:

يقول الله تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” البقرة:258.
لقد بدأت الآية الكريمة بالخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم بالاستفهام الذي يحمل معنى التعجب، أي ألم ينتهِ إلى علمك قصة هذا الكافر الذي لست بوليّ له، كيف تصدى لمحاجة من تكفلت بنصرتهِ وأخبرت بأني ولي له ولمن كان من شيعتهِ.
والآية الكريمة تُبين أنّ الجبار جادل خليل الله في ربه، فكان أول من تجبر في الأرض وادعى الربوبية هو هذا الجبار، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام تشريفٌ له، وإيذانٌ بتأييده في المحاجة. ولكن لماذا لم يُجادل الجبار إبراهيم عليه السلام؟ وذلك لأن الله أتاهُ الملك، فهو أول ملك الأرض كلها، ولذا أخذه الكِبر والبطر، فنشأت المُحاجة عنهما وقد طلب من إبراهيم عليه السلام دليلاً على وجود الرب الذي دعا إليه إبراهيم عليه السلام؛ لأن دعوى إبراهيم الموجهة له حتى يتخلى عن ادعاء الربوبية، ويُعلن الاستسلام لله رب العالمين، وهذا مالا يريده؛ لأن ملكه غرّه ليبقى في جبروته وعِناده، وهذا الملك ليس من ذاته بل هو من الله فغرورهُ أعماه عن الحقيقة، فنسي فضل الله عليه وغشاه كبره عن ذلك فاعتبر ملكه من شخصه، فطلب الدليل فقدم عليه السلام دليلاً على دعواه، فكان بأن قال، أن صفات الرب الذي أدعو إليه أنه بيده المعجزة المشاهدة والمتكررة الظاهرة المستترة، ألّا وهي معجزة الحياة والموت،فهو الذي يهبُ الحياة لمن يشاءُ ثم ينزع عنها عنها الحياة فتموت ولا حياة من غير محيي، ولا موت من غيرمميت، والذي بيده ذلك هو الرب الذي أدعو إلى عبادته وتوحيده.
يقول ابن كثير: إن الدليل على وجود الفاعل المختار ضرورةً؛ لأنها لم تحدث بنفسها فلا بدّ لها من موجد أوجدها وهو الرب الذي أدعا إلى عبادته وحده لا شريك له. فأتى الملك بدليل يُماثل دليل إبراهيم عليه السلام مجازاً لا على الحقيقة، فقال: أنّا أُحيي وأميت، وزعمَ أنه يفعل ذلك فأتى برجلين استحقا القتل، فأمضى حكم القتل في أحدهما وعفى عن الآخر، وبذلك يكون أمات الأول وأحيّا الثاني، فللمعلوم أن هذا ليس الجواب المراد، بل مكابرةً وعناد؛ لأن استعماله للفظ الإحياء والإماتة كان على سبيل المجاز، ونسي هذا الملك السبب الحقيقي في ذلك هو الله تعالى، وأنه لم يُفرق بين الأسباب والمسببات، فعد السبب مسبباً بمعنى أنه قد يأمر بالإعدام والقتل فيموت بسبب أمره، ولكن من هو المسبب والمقدر، ففي ذلك حقيقة وهي أن الله ربّ العالمين وعفوه عن الآخر يعني أنه سبب مباشر في بقائه على قيد الحياة، ولكن السبب الحقيقي في عفوه هو الله؛ وذلك بدليل من ألهمهُ العفو عن الآخر، ولكن من حكمة إبراهيم عليه السلام أنه لم يشأ الجدال معه في هذه المسألة، لأن ما صدر عن الملك معارضة فاسدة، فحقيقةُ ما فسّره الملك في الإحياء والإمانة غير التي يقصد إليها إبراهيم عليه السلام، لذلك أتى بدليل آخر يفضحُ معارضته، ولذا جاز الانتقال لدليل آخر أقربُ إلى الفهم وأقوى للحجةِ، فكان الدليل الآخر كونيٌ سماوي أشدُ إفحاماً للخصم وأكثرُ إلجاماً له الذي تمثل في قوله تعالى: “فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ” البقرة:258.
إنّ إبراهيم عليه السلام أتى للملك بحقيقة كونيةً تُطالع الأبصار والمدارك كل يوم، لا تتقدم ولا تتأخر ولا حتى تتخلف عن فعلها، وهي دليل يُخاطب الفطرة والعقل حتى ولو لم يعرف الإنسان شيئاً عن هذا الكون وتركيبه.
وإبراهيم عليه السلام المتصف بالحكمة والفطنة، فإنه أتى بالشمس الآية الكونية الكبرى في السماء دون الآيات الكونية الأخرى، ليؤكد ضمناً لقومه من عبدة الكواكب، بأن ما تعتقدونه أن هذه الكواكب أرباباً وخصوصاً الشمس، فإنهم كانوا يعبدونها من دون الله باطل؛ لأنها مسخرةً من قِبل حكيمٍ عليم جعل لها مشرقاً ومغرباً، فهو وحده المستحق أن يوحد في الاعتقاد بربوبيتهِ دونهم، وهو أيضاً المستحق أن يُعبد، وبهذا يبطل اعتقادهم بأنها أرباباً من دون الله.
ولذلك يُلاحظ أنّ نبي الله إبراهيم عليه السلام استدل على ربوبية الله تعالى بأدلة من الكون، وذلك في محاورتهِ ومخاصمتهِ للملك الذي انقطعت مزاعمه، وسقط الدليل في يده وكانت النصرة مع نبي الله إبراهيم عليه السلام، ولكن الملك أبى إلا الضلال، والله لا يهدي القوم الظالمين.


شارك المقالة: